الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله - تعالى -:

إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ۝ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:19-35]".

فقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا لما ذكر الله - تبارك وتعالى - النار، وما فيها من العذاب، وأنها تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وتوعد هؤلاء المكذبين بها، وباليوم الآخر سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [المعارج:1]؛ ذكر حال هذا الإنسان المكذب الكافر على قول بعض أهل العلم كابن جرير - رحمه الله -: إِنَّ الْإِنسَانَ يقول: يعني الكافر، أن هذه صفة الكافر، واستثنى أهل الإيمان يعني أن قوله: إِلَّا الْمُصَلِّينَ إلى آخره يقول: يعني أهل الإيمان، فهم متصفون بهذه الأوصاف.

وعلى القول الآخر، وهو الذي اختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وهو الأقرب - والله أعلم -: أن ذلك وصف الإنسان من حيث هو ما لم تتروض نفسه بالإيمان، وتتهذب بطاعة الله - تبارك وتعالى - كما قال الله : وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]، وكما قال: إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6–7].

وكل ذلك في الإنسان من حيث هو، هكذا طبيعته الغالبة، فتحتاج إلى ترويض وتهذيب، فيتخلص من هذه الأوصاف: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16].

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا هنا فسر الهلوع بما بعده: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا هذا تفسير له بأوصاف وأحوال قد اتصف بها، لكن ما أصل المعنى؟ يعني ما معنى الهلوع في كلام العرب؟

الهلوع، الهلع، يقال: فلان فيه هلع، صاحب هلع، موصوف بالهلع: فسر بأشد الحرص، حريص، مع أسوأ الجزع، الذي في يده لا يخرج، وهو حريص على زيادته غاية الحرص، وهو أيضًا يتصف بأسوأ الجزع، وأفحشه.

وعبارات السلف متقاربة يعني كما يقول عكرمة: هو الضَّجور، كثير الضجر، ولكن هذا تفسير له ببعض معناه - والله تعالى أعلم - كون الإنسان إذا مسه الشر جزوعًا، فهو يتضجر، ويتسخط، قليل الصبر.

وذكر الواحدي عن المفسرين: أنهم يقولون: إن الهلع مفسر بما بعده، وهذا لا إشكال فيه، لكن الكلام على أصل معناه بمعنى أنه إذا أصابه الشدة، الفقر، المرض ونحو ذلك فهو كثير الجزع، وإذا أصابه الغنى والخصب فهو كثير المنع، والحرص، يمنع حق الله، وحق المخلوقين، ولا يشكر هذه النعمة، فهو قليل صبره، وقليل شكره، في حالتيه؛ الشدة، والرخاء، ويُظهر أشد الجزع في الشدة، ويَظهر منه البخل، ومنع الحقوق في حال الرخاء.