هنا كما أشرت قبل قليل: أن من أهل العلم من فسر المصلين بأهل الإيمان والتوحيد، يعني إلا الموحد، ونظروا إلى أن طبيعة الإنسان إنما تكون مغالبتها وتحويلها عما هي عليه بالإيمان، فأهل الإيمان ليسوا كذلك، يعني هم قالوا: إن هذه طبيعة الإنسان، هذا ابن جرير يقول: هذا وصف الإنسان الكافر، قال: إلا المصلين، يعني إلا أهل الإيمان، ولكن القول بأن ذلك على ظاهره يعني أن الله استثنى المصلين، فهذا في ضمنه ذكر الإيمان؛ لأن هؤلاء المصلين هم على حال من الإيمان، فاتصفوا بهذه الأوصاف من ملازمة الصلاة، والمداومة عليها إلى غير ذلك من الأوصاف المذكورة، فهؤلاء من المؤمنين الكمل، وكلما كان الإيمان أتم كانت هذه الصفة أضعف، وأقل: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا تضعف، فطبائع الإنسان مما جبل عليه من الغرائز، وحب التملك، والطمع، والشح كما قال الله : وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] فهو شيء حاضر في النفوس.
وقال: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [الحشر:9] فأضاف الشح إليها لشدة ملازمته لها، هو ملازم لها: شُحَّ نَفْسِهِ فهذه إنما يكون الخلاص منها بترويض النفس على الإيمان، وشرائعه، فإذا صار متحققًا بالتقوى، والتوكل على الله ، واليقين، وحسن الظن بربه - تبارك وتعالى -، وأن عوائد الله عليه غادية، ورائحة، وأن الله حينما يبتليه فإن ذلك ليس لهوانه عليه، أو ليضيعه، أو ليكسره، وإنما فعل ذلك به ليرفعه، فإذا تحقق من هذه الأمور، وأن الله أرحم به من أمه، وأبيه، ومن أرفق الناس به؛ فإنه يطمئن إلى قضاء الله ، وإذا حصلت بيده النعم فإنه يذكر تحولها عن غيره، وأن ذلك أيضًا عما قريب ستتحول عنه النعم المادية، فإنه إن لم تفارقه في هذه الحياة الدنيا في أيام حياته؛ فإنه سيفارقها بعد موته، فهو لا يبطر بالنعمة، ويذكر أنها عارية في يده، وأن ذلك إفضال من الله، وابتلاء؛ لينظر عمله، فلا يحصل له البطر بحال من الأحوال، وأنه يتعاطى النعمة وهو وجِل من الله، قد امتلأ قلبه حياءً من ربه - تبارك وتعالى -، حيث لا يؤدي شكر هذه النعم، وأن الله ساقها إليه من غير حول منه، ولا قوة، وأنه قد حُرم منها الكثيرون، والله - تبارك وتعالى - ناظر إلى شكره، وعمله، وحاله، فهو بين وجل، وحياء، فمثل هذا لا يصلح له التعاظم، وأن ينسى نفسه، ويبطر، ويكون في حال من الغفلة بسبب هذه النعمة، وإذا جاء المكروه فهو أيضًا على حال من الرضا، أو الشكر، أو الصبر، فهو يتقلب بين هذه المراتب الثلاث؛ لكنه لا يجزع؛ لأنه يعلم أن الله اختار له ذلك، وأن الله عليم حكيم، فهو يرضى بما اختاره الله له، ويعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، هكذا تتروض النفس، فقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ وهذا يدل على أن هذه الأوصاف المذكورة هي المخرج، وأن لها تأثيرًا بليغًا لعلاج هذه الجوانب في نفس الإنسان بعيدًا عن كثير من الفلسفة، وما قد يقوله القائلون في هذا الباب في معالجة طبائع الإنسان، وما يحصل له في حياته من مخاوف، وقلق؛ يفتك بكثير من النفوس، ويحول عافيتها، وسعادتها إلى علل، وأوصاب موهمة، أو يتوقعها ويتخوفها في المستقبل، أو أن ذلك يكون في حال من التخوف والقلق على مستقبله، وماله، وما يصير إليه في الأمور المادية الدنيوية، فهذا عامة ما يعصف بالنفوس، ويورثها القلق، فتجد الذي لا زال في أيام دراسته، ومقتبل العمر؛ يفكر كثيرًا أين سيذهب، وأين سيعمل، وإذا تخرج هل سيجد ما يكفيه أو يغنيه، ومن يعمل فهو أيضًا يتوقع أمورًا، ومن كان في عافية يتوقع المرض، ومن كان مريضًا فهو يتوقع العطب، وهكذا تجد هذه المخاوف تنتاب الإنسان، وتتوارد على نفسه، فيكون ذلك على حساب عافيته، وراحته، وطمأنينته، وسكينته، فإذا كان الإنسان بهذه الأوصاف من أهل الصلاة الذين يداومون عليها، وكذلك أيضًا يكون من أهل الإنفاق لاسيما الزكاة، ومع يقينه بالآخرة، وخوفه من عذاب الله ، مع صيانةٍ وعفاف، وحفظ للفرج، فإن هؤلاء مع ما ذُكر من الأوصاف التي تدل على كمال التقوى، والإيمان، فمثل هذا لا مكان للقلق في نفسه، ولا للجزع، ولا للطمع، والشح، والحرص، والمنع، كل ذلك يزول، ويذهب؛ بحسب إيمان العبد، فإذا رأى العبد من نفسه اتصافًا بشيء من هذه الأوصاف المذمومة فليعلم أن ذلك لنقص في تحقيق هذه الأوصاف المذكورة من أحوال أهل الإيمان؛ هي هكذا، ولا يحتاج الإنسان إلى كلام كثير يقال له من توصيف لربما يفتقد العلاج الحقيقي، ولربما أدوية قد لا تزيده إلا وهنًا، فلربما تضع من قوته، ونشاطه، وعافيته، فيصير في حال من الخمول، والضعف البدني؛ بسبب تعاطي هذه الأدوية التي تعالج جانبًا - إن عالجته -، أو تسكن ذلك، ولكنها أيضًا تهدم جوانب أخرى، يرفع العبد رأسه عاليًا، ويتوكل على الله ، ويقبل عليه بكليته، وإذا ذكره بقلبه قبل أن يذكره بلسانه، ويكون قلبه منكسرًا لله ، مخبتًا، وتكون يده تجود بالنفقة؛ فمثل هذا لا مكان لهذه المخاوف، والقلق، والأوصاب، والعلل النفسية بحال من الأحوال إلى نفسه، وإلا فما نقص من هذه الأوصاف - أوصاف أهل الإيمان - لا بد أن يكون في المقابل هذه المخاوف، والقلق، والضيق، والضجر، ويكون في حال من الاضطراب في أيام العافية، وفي أيام البلاء، هو يكون هكذا - نسأل الله العافية -، وهذا حال كثير من الخلق - وإن لم يفصح الكثيرون عنه - يعتري هذه النفوس ما يعتريها مما يدرى سببه، أو لا يدرى سببه، والسبب هو يرجع إلى هذا، السبب الحقيقي يرجع إلى هذا، مما علم سببه يقول: عندي صفقة خسرت، عندي كذا، انخفاض كذا، الأسواق، كساد، أمراض، في كذا، أو مما لا يعرف سببه، سواء عرف أو لم يعرف، هي قضية اليقين هذا، والإيمان ضعُفَ فقويت الجوانب الأخرى، وإذا قوي تلاشت الجوانب الأخرى، حتى يكون العبد في جنة قبل جنة الآخرة.
"الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ قيل: معناه يحافظون على أوقاتها، وواجباتها"، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي.
وقيل: المراد بالدوام هاهنا السكون، والخشوع كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] قاله عقبة بن عامر، ومنه الماء الدائم وهو الساكن الراكد، وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة، فإن الذي لا يطمئن في ركوعه، وسجوده؛ ليس بدائم على صلاته؛ لأنه لم يسكن فيها ولم يدم، بل ينقرها نقر الغراب فلا يفلح في صلاته.
وقيل: المراد بذلك الذين إذا عملوا عملاً داوموا عليه، وأثبتوه، كما جاء في الصحيح عن عائشة - ا - عن رسول الله ﷺ أنه قال: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل[1]".
قوله - تبارك وتعالى -: إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ هنا قال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ ما قال: "إلا الذين يصلون" فإن ذكر هذا الوصف بهذه الصيغة: إِلَّا الْمُصَلِّينَ "فلان من المصلين" هذا يدل على لزوم هذه الصفة، وجاء ما يكشف عن ذلك ويبينه، بقوله: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ.
وأقوال السلف هنا افترقت على هذه المناحي الثلاث باعتبار: أن بعضهم نظر إلى أن هذا الوصف هو في حال الصلاة: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ففسره بالسكون يعني هو حينما يصلي يكون متصفًا بهذا الوصف: دَائِمُونَ أي ساكنون، بلا حركة، يعني من السكون، ففسر بالخشوع، فإن الحركة تنافي الخشوع.
ومن نظر إلى معنى أعم من هذا، لكنه يتصل بالصلاة نفسها: عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ قال: "يحافظون" يحافظون على أوقاتها، وأركانها، وشروطها، فهؤلاء هم الذين يقيمونها: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت:45].
دَائِمُونَ هل هو دائم في نفس الصلاة حينما يكبر؟ أو المقصود دائم على هذه الصلوات بمعنى أنه يحافظ عليها غاية المحافظة، لا يضيعها: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، ومنهم من نظر إلى معنى أوسع، باعتبار: أن المقصود بالصلاة العبادة، فقالوا: إنهم إذا عملوا عملاً داوموا عليه، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن ذلك يتعلق بالصلاة، ولو قيل: إنه يشمل المعنيين الأولين باعتبار: أنهم في حال من السكون، والدوام فيها، فهم أهل خشوع، وكذلك أيضًا هم محافظون عليها: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، لكنه - والله تعالى أعلم - أعلق بالمداومة بمعنى المحافظة عليها؛ لأنه عبر بـ"على" ما قال: "الذين هم في صلاتهم دائمون" وإنما قال: عَلَى صَلَاتِهِمْ فهذا يشعر بمعنى المحافظة على أوقاتها، وعدم تضييع شيء منها.
ابن جرير يقول: "وهم على أداء ذلك مقيمون، لا يضيعون منها شيئًا"، وهذا هو المعنى نفسه الذي أشرت إليه آنفًا قول من قال: "يحافظون على أوقاتها، وواجبتها" قاله ابن مسعود، ومسروق، وإبراهيم النخعي، لكنّ الأولين الذين قالوا: بمعنى السكون في الصلاة، القرينة التي لربما نظروا إليها فحملتهم على هذا القول، يعني نحن أحيانًا نستغرب لربما يكون القول في نظرنا أن غيره أوضح منه، وأكثر تبادرًا إلى الأذهان، لكن انظر لمّا ذكر هذه الأوصاف، ذكر في أواخر الأوصاف المذكورة: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ المحافظة هنا المحافظة على أوقاتها، وشرائطها، وواجباتها، وأركانها، أليس كذلك؟ فمن أجل أن لا يكون ذلك من قبيل التكرار، هذه صفة وهذه صفة: عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ يقال: ساكنون، الأول في الخشوع، والثاني في المحافظة على الأوقات والشرائط، والأركان، فهذا له وجه قوي، وقد يكون ذلك من المرجحات.
في كثير من الأحيان ننظر إلى القول أحيانًا لأول وهلة، فنقول: إن غيره أوضح، من جهة اللفظ، أو السياق، أو التبادر إلى الذهن، ولكن إذا نظرت إلى التعليل فإنك قد تقول: إن الراجح هو غير هذا، وهذا كثير في مسائل الفقه، بل حتى في أمور الناس، وقضاياهم، لربما تستهجن التصرف، أو الرأي، وإذا سمعت علته عند صاحبه، تقول: له وجه، فلا يستعجل الإنسان في تهجين الأقوال، أو في رمي أصحابها بالغفلة، أو الجهل، وإنما يتأنى، ويسمع، فقد يكون لهم من النظر ما يحوله إلى قولهم، ورأيهم.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ: "السكون في الصلاة هو الدوام، قال عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة حدثني يزيد بن حبيب أن أبا الخير أخبره قال: "سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ أهم الذين يصلون دائمًا؟ قال: لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه، ولا عن شماله، ولا خلفه"، قلت: هما أمران: الدوام عليها، والمداومة عليها، فهذا الدوام، والمداومة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، وفسر الدوام بسكون الأطراف، والطمأنينة"[2].
تأمل هذا التعليق في الطبعة الجديدة "ثلاث مجلدات" غير موجود في هذه ذات المجلدات الخمس، والفرق بين النسختين من بدائع التفسير الذي جُمع لابن القيم أن الطبعة الجديدة حذف فيها أشياء لا تعلق لها بالتفسير، استطرادات، وأشياء، هذا من جهة.
من جهة أخرى في الطبعة هذه ذات المجلدات الخمس أشياء مبتورة، يبدأ الكلام مبتورًا، أو يترك في آخره مبتورًا، فروجعت هذه المواضع.
الأمر الثالث: هو أنه توجد نقولات عن ابن القيم، ومواضع لم تذكر في الطبعة ذات المجلدات الخمس، فأضيف ما أضيف، وربما بقيت أيضًا أشياء، لكن على كل حال الشامي - حفظه الله - أدرى بكتب ابن القيم، وأعرف، وأكثر ممارسة، فالمقصود ألا يهولنّك أن هذه ذات خمسة مجلدات، فتقول: ذهب اثنان، فصارت ثلاثة مجلدات، فتحرص على الطبعة القديمة، الطبعة الجديدة أفضل، وأكمل، فيها مواضع ليست في القديمة مثل هذا.
في قوله - تبارك وتعالى -: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ هذا الحق ما هو؟
يقول: نصيب مقرر لذوي الحاجات.
هذا الحق المعلوم ذهب جماعة من السلف كقتادة وابن سيرين إلى أنه: الزكاة، وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، ويدل على ذلك أمران، يعني يدل على ذلك قرينتان في هذا الموضع:
الأول: أنه وصفه بقوله: مَّعْلُومٌ وأنه: حَقٌّ فهذا الحق المعلوم هو الزكاة، وليس مطلق النفقات أو الصدقات هي الحق المعلوم.
والقرينة الثانية: هو أنه قرنه بالصلاة، والغالب في القرآن أن يقرن بين الصلاة، والزكاة: يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [المائدة:55]، وقد مضى الكلام على تعليل ذلك - يعني الاقتران بين الصلاة، والزكاة كثيرًا في القرآن -، فهذا كله يدل على أن هذا الحق المعلوم: هو الزكاة، خلافًا لمجاهد - رحمه الله -، وهذا الحق المعلوم "للسائل والمحروم" هنا قال: "لذوي الحاجات".
السائل: ابن جرير يقول: السائل الذي يسأل المال، والمحروم يقول: من حرم الغنى، فهو فقير، وبعضهم يفسر المحروم بغير هذا، وقد مضى الكلام على ذلك.
وبعضهم يقول: المحروم هو الذي يعمل، ويذهب، ويتسبب، ولكنه لا يعود بطائل، يعني ليس بعاجز عن العمل، ولكنه يذهب؛ ولا يرجع بشيء.
وبعضهم يقول: إن المحروم هو الذي لا يسأل، فقير ولا يسأل، ولا يتفطن له الناس، فيتصدقون عليه، أما الأول فهو الذي يسأل، وهذا الثاني يتعفف، مع أنه نقل عن بعض السلف كعمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أن المحروم هو الكلب، لكن هذا التفسير المقصود به التنبيه على معنى قد يغفل عنه بعض الناس، أو يغفل عنه الكثيرون، هو لا يفسر المحروم بالكلب، هو يعرف المقصود بالمحروم، ولكنه ذكر صورة من صور الحرمان، أو فردًا من أفراد المحرومين، وإلا فإن المحروم هو الإنسان الذي يتصف بهذه الصفة، لكن هذا مثل: لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى [النساء:43] ما جاء عن ابن عباس: أي في حال النعاس هو يعرف معنى السكر، وأنه ليس النعاس، ولكنه ذكر حالاً قد يغفل الناس عنها، وهو أن الإنسان في حال مغالبة النعاس يكون مثل السكران، يريد أن يدعو لنفسه فيدعو عليها، يقرأ الفاتحة في التشهد، أو في السجود، فهذا يخلط كما يخلط السكران، فأشار إلى هذا المعنى الذي قد يُغفل عنه، وإلا فهو يعرف معنى السكر وهو من علماء الصحابة، وأئمة التفسير، ومن أهل اللغة، فهنا المحروم حينما فسره بالكلب قصد بذلك أن الكلب يُزجر عادة، ويطرد، وهو مشهور بهذا: إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يعني تطارده: يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [الأعراف:176] فمثل هذا إطعامه لا يستهان به، امرأة - كما هو معلوم - غُفر لها - بغي من بغايا بني إسرائيل - بسبب شربة سقتها ذلك الكلب.
ليس هذا هو تفسير الآية، لكن المقصود أنك قد تسمع قولاً يكون في غاية الاستبعاد بالنسبة إليك، لكن هو معلل بهذا، موجه بهذا.
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، رقم (6464)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، رقم (2818).
- مدارج السالكين (2/365).