الأحد 21 / ربيع الأوّل / 1447 - 14 / سبتمبر 2025
لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِۦ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا [الجن: 16]، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامَ الْقَاسِطُونَ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَدَلُوا إِلَيْهَا، وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهَا: لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا أَيْ: كَثِيرًا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ: سِعَةُ الرِّزْقِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:17] أَيْ: لِنَخْتَبِرَهُمْ؛ كَمَا قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لِنَفْتِنَهُمْ لِنَبْتَلِيَهُمْ مَنْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْهِدَايَةِ مِمَّنْ يَرْتَدُّ إِلَى الْغَوَايَةِ، ذِكْرُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: روى الْعَوْفِيُّ نحوه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وكذا قَالَ مُجَاهِدٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَقَتَادَةُ، والضَّحَّاكُ، وقال مقاتل: "نزلت فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ، حِينَ مُنِعُوا الْمَطَرَ سَبْعَ سنين".

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ أي الضلال: لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًاْ أَيْ: لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ استدراجًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الْأَنْعَامِ:44]، وَكَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ:55-56] وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بن حُميد، فإنه قال في قوله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ أَيْ: طَرِيقَةِ الضَّلَالَةِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، ،وَالْكَلْبِيِّ، وَابْنِ كَيْسَانَ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:17]".

قوله تبارك وتعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ۝ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:16-17] هذا ليس من قول الجن هذا من كلام الله - تبارك وتعالى -، فهذا مما يسمونه: ما ظاهره الاتصال، ومعناه منفصل يعني أنه لمتكلميْن، لقائليْن، مع أن الظاهر في السياق أن ذلك في سياق كلام الجن: وأنا مِنَّا الْقَاسِطُونَ، فالله - تبارك وتعالى - يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ۝ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ هنا إذا تبين هذا المعنى: أن هذا من قول الجن؛ فهو معطوف على قوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فهذا مما أوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لحصل لهم ما ذكر.

أُوحي إليّ: أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس {عَلَى الطَّرِيقَةِ} أو الإنس والجن، والمقصود بذلك: اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ على أحد القولين اللذين ذكرهما ابن كثير: على الإسلام: لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا.

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا هنا كما سبق أن القراء اتفقوا على فتح الهمزة في هذا الموضع، يعني كأنه على إضمار يمين، قسم: والله وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم ونحو ذلك.

أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ وأوحي إليّ: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا، وبعضهم يقول غير هذا.

قوله - تبارك وتعالى - هنا: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ۝ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فهذا الموضع هو: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ هو منشأ الخلاف الذي ذكره ابن كثير، فهل المقصود: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني الإسلام، والهدى، والحق الذي جاء به الرسول ﷺ؛ لجازاهم الله بذلك، فإذا كان هذا هو المعنى فكيف قال: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ؟

هذا موضع الإشكال عندهم، فلهذا قال بعضهم: إنه: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني لو بقوا على كفرهم، واستمروا عليه؛ لاستدرجناهم، فأمددناهم بهذه الأمور التي هي من أجل مطالبهم الدنيوية؛ لأنه يحصل بسببها الخصب، ويكثر المال، ويروى عن عمر : أنه حيث كان الماء كان المال، وحيثما كان المال كانت الفتنة.

فعلى القول بأن ذلك بمعنى: أنه يوسع لهم الأرزاق استدراجًا لهم، فهذا كما قال الله - تعالى -: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44] الآية.

وهكذا في الآية الأخرى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56] إلى غير هذا من الشواهد؛ كقوله تعالى في سورة الزخرف: وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33]، بعضهم يقول: على الكفر - كما مضى - لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ۝ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:33-35] يعني: وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً على الكفر - على أحد القولين -: لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ۝ وَزُخْرُفًا ذهبًا.

فكل هذا يكون من الذهب والفضة.

وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني على الكفر، فالله رحمة بالمؤمنين جعل بيوت هؤلاء الكفار من الخزف، والحجارة، والحديد؛ وما إلى ذلك، ومع ذلك الفتنة عظيمة بهم، كيف مُهدت لهم السبل، وذُللت لهم الحياة، وكانت الأمطار عليهم دارّة، فيُفتن خلق بهذا، أي كيف يكونون على الباطل، وهذه حالهم؟، فكيف لو كانت بيوتهم من ذهب، وفضة؟!.

فالله رحم عباده، هذا على هذا المعنى.

فالآية تحتمل هذا المعنى: أن يكون ذلك على سبيل استدراج، والقرينة: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ.

وعلى المعنى الآخر: أن ذلك بمعنى الإسلام: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني على الإيمان، والهدى؛ الذي بعث به الرسول ﷺ لأعطاهم الله، وأنزل لهم من البركات: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [الأعراف:96] فهذه تحصل بسبب الإيمان، لكن قوله - تبارك وتعالى -: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ما محمله على هذا القول؟ يكون محمله: يعني لنختبر شكرهم في هذا العطاء الذي نعطيهم، ولا شك أن ما يعطيه الله لعباده فإن هذا ابتلاء، وامتحان: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] فذكر الشر والخير معًا.

هو الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2] فهذه الحياة هي ابتلاء بما فيها، فيكون قوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يعني لنختبرهم: أيشكرون على هذه العطايا، والنعم؟ والله أعلم.

على المعنى الأول: أن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام لأعطيناهم، وأوليناهم، فيكون: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ اختبارًا لهم، هذا الذي أيضًا رجحه ابن جرير - رحمه الله - القول الأول، مع أن القول الآخر يحتمل، لكن كأن هذا هو الأقرب - والله أعلم -؛ لأن الاستقامة إذا ذكرت فالمتبادر منها الاستقامة على الحق، والطريقة، هكذا بهذا الإطلاق، الظاهر أن "أل" هنا عهدية - والله تعالى أعلم - الطريقة المعهودة التي رسمها الله، ووصفها في كتابه، وأمر عباده بسلوكها: الصراط المستقيم، الإسلام - والله أعلم -.

يقول عن القول الثاني: "وله اتجاه، ويتأيد بقوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ هذه هي القرينة.

لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا والغدق ما المراد به؟

يعني الكثير الواسع مَاء غَدَقًا فهو كثير يتتابع، وهذا يقتضي توسعة عليهم في الدنيا، والعطاء؛ لأن هذا الماء إذا تتابع صارت بلادهم كثيرة الخيرات، فهذا يعني السعة في معايشهم، وأرزاقهم؛ وليس مجرد نزول المطر، وإنما ما يتبعه - كما هو معلوم - بل إن بعض أهل العلم - كابن قتيبة - يقول: ضرب ذلك مثلاً، وإلا فالمقصود ما هو أوسع من ذلك، لكن إذا نظرنا إلى هذا الملحظ في الارتباط: أن كثرة الأمطار حينما تصير بهذه المثابة: غَدَقًا فإن ذلك يعني كثرة الخيرات، تكون بلادهم كثيرة الأرزاق واسعة، فيحصل بها مطالبهم، ومعايشهم، وتكون أقواتهم، وأرزاقهم وافرة، والله يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

فالتقوى سبب للرزق، والبركة، والخير، وكما سبق: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۝ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ۝ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] كل هذا يحصل بسبب: التقوى، والإيمان - والله المستعان -.

وبعضهم يقول: هذا أصلاً في الجن: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا يعني لو استقام أبوهم، وسجد لآدم، وأطاع الله ؛ حصل لهم ما ذكر أن الله ينعم عليهم، وهذا بعيد، مع أن هذا ما قاله واختاره الزجاج - رحمه الله -، لكن ظاهر السياق لا يدل عليه - والله أعلم -.

"وَقَوْلُهُ: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا أَيْ: عذابا مُشِقًّا شَدِيدًا، مُوجِعًا مُؤْلِمًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: "عَذَابًا صَعَدًا أَيْ: مَشَقَّةً لَا رَاحَةَ مَعَهَا"، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ"، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "بئر فيها".

قوله - تبارك وتعالى -: وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ ما المقصود بذكر ربه - تبارك وتعالى -؟

ابن جرير - رحمه الله - حمله على القرآن، يُعرض عن استماعه، والعمل به، فهنا يكون "الذكر" من قبيل إضافة المفعول إلى الفاعل؛ لأن الله هو الذي ذكر القرآن، وهو الذي تكلم به، فالرب فاعل، والقرآن مذكوره، تكلم به، فالله هو الفاعل: عَن ذِكْرِ رَبِّهِ.

ويحتمل أن يكون من قبيل: إضافة الفاعل إلى المفعول، يعني يكون الرب هنا - هذا اللفظ - في مقام يعرب مفعولاً به، يعني: يعرض عن ذكر ربه، لا يذكر ربه بلسانه، وقلبه، وجوارحه.

ولو قيل: إن الآية تُحمل على هذا وهذا، يكون المصدر هنا مضافًا بمعنى إضافة الفاعل إلى المفعول، والعكس، فهنا من يعرض عن ذكر ربه - تبارك وتعالى -، فلا يذكر ربه بقلبه، ولا لسانه، ولا جوارحه، وكذلك أيضًا يعرض عن كتابه، وكلامه فلا يؤمن به، ولا ينتفع، قال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي [طـه:124] أيضًا تحتمل المعنيين.

ذِكْرِي كتابي، كلامي، أو ذِكْرِي يعني لم يذكرني، لم يعبدني، الذكر يشمل هذا وهذا، وقد مضى الكلام على هذا في بعض المناسبات.

وقوله: وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا قال: مُشِقًّا شديدًا مُوجعًا، هذا الذي فسره به ابن جرير - رحمه الله -، مع أن من أهل العلم من قال غير ذلك.

عَذَابًا صَعَدًا يعني شاقًا صعبًا.

ويَسْلُكْهُ قرأه بعضهم بالنون وهي قراءة الجمهور، والقراءة الأخرى التي نقرأ بها قراءة الكوفيين بالياء: يَسْلُكْهُ.

هنا وصف العذاب بهذا: عَذَابًا ما صفته؟

صَعَدًا فإذا كان أصل الصَّعد هو المشقة، فوصف العذاب به بأي اعتبار؟ كأنه من باب المبالغة، باعتبار أنه يتصعد به المعذب، يلحقه بسبب ذلك ألم، ومشقة، ومعاناة، فهو يصعب عليه، ويشق، ولا يطيقه، مع أن بعض السلف كما روي عن عكرمة فسر الصعد هنا بصخرة في النار، وفسر بعضهم ذلك بالصعود: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا فيصعد في النار، وينزل، ويتعذب بذلك، فإذا بلغ أعلاها انحدر، وهكذا، ولهذا ابن كثير - رحمه الله - هنا قال عن ابن عباس: "جبل في جهنم"، وعن سعيد بن جبير: "بئر فيها"، لكن إذا فسر هذا بالمشقة على كل حال هكذا فهو ما يلاقيه من معاناة في النار، ومشاق - أعاذنا الله، وإياكم، ووالدينا، وإخواننا المسلمين منها".