الأحد 21 / ربيع الأوّل / 1447 - 14 / سبتمبر 2025
وَأَنَّ ٱلْمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ۝ وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ۝ قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ۝ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً ۝ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ۝ إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ۝ حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً [الجن:18-24].

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ: أن يوحدوه في محالّ عِبَادَتِهِ، وَلَا يُدْعَى مَعَهُ أَحَدٌ وَلَا يُشْرَكُ به كما قال قتادة في قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا قَالَ: "كَانَتِ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ، وَبِيَعَهُمْ؛ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَحْدَهُ".

وروى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الْمَسْجِدَ ونحن ناءون - أي بعيدون عنك؟ -، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عَنْكَ؟ فَنَزَلَتْ: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا".

قوله - تبارك وتعالى -: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ كما بيَّنا سابقا أن القراء اتفقوا في هذا الموضع على فتح الهمزة: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا يعني يكون معطوفًا على قوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ [الجن:1] وأن المساجد لله أوحي إليّ: أن المساجد مختصة بالله - تبارك وتعالى -، مع أن بعض أهل العلم - كالخليل - يقول: المعنى هكذا: ولأن الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا المساجد ما المراد بها؟

الظاهر المتبادر: أنها المواضع التي بنيت للصلاة، بهذا فسرها بعض السلف فمن بعدهم، وبعضهم عمم المعنى: أنها كل البقاع، فالنبي ﷺ يقول: وجعلت لي الأرض مسجدًا، وطهورًا[1] فعمم المعنى، فالأرض كلها مسجد بهذا الاعتبار، وهذا الذي فسرها به الحسن البصري، فهذا ليس باختلاف حقيقي يعني الأرض بهذا الاعتبار كلها مسجد.

المقصود أن المواضع التي يُصلَّى فيها إلى آخره ينبغي أن يكون ذلك مما يوحد به الله - تبارك وتعالى -، ولا يُتخذ شيء من ذلك لعبادة غيره، وذهب آخرون إلى أن المقصود بالمساجد هي مواضع السجود، أن المساجد يقال لها: مساجد باعتبار أن الإنسان يسجد عليها، فهو يسجد على سبعة أعضاء، أو سبعة أعظم وهذا الذي قاله سعيد بن المسيب - رحمه الله -.

وأن الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا يعني هذه أعضاء الله أنعم بها عليك، فلا توجه ذلك إلى غيره ، وتقدست أسماؤه، فيكون ذلك كفرًا به، وبنعمته على عباده، وهذا معنى تحتمله الآية.

وبعضهم فسر المساجد بالصلاة نفسها: وأن الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ يعني الصلاة، باعتبار أن السجود من جملة أركان الصلاة، وهذا أبعد هذه الأقوال، فالمتبادر منها: أن المساجد هي المواضع التي بنيت للصلاة، ويلحق ذلك حكمًا كل بقعة من الأرض يصلى فيها، فينبغي أن يكون التوجه في ذلك كله إلى الله - تبارك وتعالى -.

وقول من قال: إن المقصود: وأن الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ يعني: مواضع السجود ليس ببعيد، فلو قال قائل: إن ذلك داخل في الآية فهي تشمل المواضع من الأرض، وتشمل أيضًا ذلك من الإنسان، فكل ذلك ينبغي أن يتوجه به إلى المعبود دون ما سواه وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا.

  1. رواه البخاري، في أول كتاب التيمم، رقم (335)، ومسلم، في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (521).