السبت 13 / ربيع الأوّل / 1447 - 06 / سبتمبر 2025
وَتَذَرُونَ ٱلْءَاخِرَةَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

سبب تكذيب يوم القيامة حب الدنيا والغفلة عن الآخرة:

وقوله:كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَأي: إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله على رسوله ﷺ من الوحي الحق والقرآن العظيم: إنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة، وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة.

كلمة "كلا" تدل على الردع والزجر، وبعض أهل العلم يقول: الردع هنا والزجر عن أي شيء؟ عن العجلة، التي هي من طبيعة الإنسان، كما قال الله:خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ[سورة الأنبياء:37]،وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً[سورة الإسراء:11]، فهذا الردع نظراً لهذه الصفة المذمومة في الإنسان، ولكن المعنى المتبادر للآية -والله تعالى أعلم-،كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ يعني: الدنيا،وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ يعني: دار المقامة، والمعنى الأول الذي ذكره بعض السلف،كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ، قالوا: المراد أنهم يستعجلون، هذا مما يؤخذ ويستنبط من هذه الآية وليس ذلك هو معناها الظاهر المتبادر، معنى الآية:كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَيعني: الدنيا، وليس العجلة، وقيل لها عاجلة لسرعة انقضائها، وتحولها، فهي لا شيء بالنسبة للآخرة،كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ، فقابل هذا بهذا، وبالتالي لا يسوغ بحال من الأحوال أن تفسر العاجلة بغير الدنيا، والمعنى الذي ذكره مَن ذكره أن المقصود به العجلة هو يؤخذ ويستنبط من هذا، هم حينما أرادوا الدنيا لفرط عجلتهم استعجلوا النعيم واللذة قبل أوانها، فعوقبوا بحرمانها، ومن استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فهؤلاء استعجلوا الخمر واللذات، واستعجلوا معاصي الله في الدنيا،أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا[سورة الأحقاف:20]، فالإنسان هذه طبيعته يؤثر الفاني على الباقي، وينظر نظراً قريباً يريد أن يحصل شيئاً قريباً في متناوله، ويترك الأمور العظيمة إذا كانت بعد حين، فهذا من عجلته، إنما أوقعه بذلك هو هذه الطبيعة التي جبل عليها، ولكن لا تفسر الآيةكَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ بمعني: العجلة، لكن لا يمنع أن يفهم من الآية أنها تعليم للأناة، كما علم الله قبلها نبيه ﷺ الأناة بقوله:لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِفهذه تعليم له بالأناة في التعلم والتلقي، لا يستعجل، فيسمع ويحسن السماع، ولا يستعجل يبادر بالسؤال أو بتحريك شفتيه أو نحو ذلك قبل أن يقضى الكلام الذي يسمعه، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنه يؤخذ منها أدب في التعلم أن الإنسان لا يبادر بالسؤال، أو بالاعتراض أو بالرد أو بالمناقشة قبل أن يستمع بقية الكلام، ثم بعد ذلك ينظر فيه فإن كان حقاً قبله وإن كان فيه إشكال ناقش هذا.