كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى[سورة القيامة:26-40].
يحصل اليقين عند الاحتضار:
يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال -ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت- فقال تعالى:كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَإن جعلنا كَلا رداعة فمعناها: لست يا ابن آدم تُكذِّب هناك بما أُخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا، وإن جعلناها بمعنى "حقا" فظاهر، أي: حقا إذا بلغت التراقي، أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع تَرقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق، كقوله تعالى:فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[سورة الواقعة:83-87]، وهكذا قال هاهنا:كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ.
هؤلاء الذين كذبوا بما بعد الموت وكذبوا، فعلى الوجه الأول يقول: عندئذ لا تكذيب؛ لأنهم عند ذلك يعرفون حقيّة ما جاء به الرسول ﷺ، إذ إنهم يرون ملائكة العذاب أو يرون ملائكة الرحمة، إذا بلغت الروح الحلقوم هنا فهذه هي التراقي، هذه ثغرة النحر وهذه هي العظام، هذه التي يقال لها التراقي، فإذا بلغت الروح هنا في هذا المكان فعندئذ يكون الجسد جثة هامدة والروح تغرغر توشك أن تخرج، فعند ذلك لا تنفع التوبة، ولا ينفع الندم، ولا ينفع الإيمان؛ لأن الإنسان يكون قد عاين مصيرة وما يئول إليه، وعرف الحقيقة، فلا تكذيب عندئذ، هذا إذا قلنا: إنها للجحد "كلا"، وإذا قلنا: إنها بمعنى حقاً، حقاً إذا بلغت التراقي عرف الإنسان عندئذ حاله ومآله.