السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا[سورة الإنسان:10] أي: إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا-عَبُوسًاضيقا، قَمْطَرِيرًا طويلا.

وقال عكرمة وغيره عنه في قوله:يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا أي: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عَرَق مثل القَطران.

وقال مجاهد:عَبُوسًاالعابس الشفتين،قَمْطَرِيرًا قال: تقبيض الوَجه بالبُسُور.

وقال سعيد بن جبير، وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول،قَمْطَرِيرًاتقليص الجبين وما بين العينين من الهول.

وقال ابن زيد: العبوس: الشر، والقمطرير: الشديد.

هنا هذه الأقوال فيعَبُوسًا قَمْطَرِيرًامنهم من أرجع ذلك إلى صفة اليوم، ومنهم من أرجعه إلى صفة الناس فيه، كل الأقوال ترجع إلى هذين المعنيين، وذلك من حيث اللغة جائز بلا شك، أن يوصف الشيء بما يقع فيه، وقد يوصف الشيء بصفته المختصة به من حيث هو، فالحاصل أن اليوم ظرف من الظروف من حيث هو لا يوصف بالعبوس، ولكن العرب قد تصف الشيء بما يقع فيه، لاسيما الظروف مثل الأيام والسنوات وما أشبه ذلك، فاليوم العبوس من جعله من صفة اليوم فسر ذلك بأنه اليوم الطويل مثلاً، وقول ابن عباس: العبوس الضيق، والقطرير الطويل أو الشديد، ومن جعله من صفة الناس في ذلك اليوم جعل العبوس صفة لأولائك الأشقياء فيه، وأن وجوههم تكون عابسة، والقمطرير أي تكون مقطبة مثلاً من شدة العبوس، يعني: أشد من العبوس، فذلك اليوم لا شك أنه يوم طويل شديد ضيق، فقول ابن عباس -ا- هنا الذي نقله علي بن أبي طلحة عنه عَبُوسًاأي: ضيقاً، ضيقاً يعني: يقع عليهم فيه ضيق وشدة وكرب، ولا شك أن هذه المعاني متلازمة، هذا المعنى ملازم لمن قال: إنه تعبس فيه الوجوه، لماذا تعبس الوجوه؟ إذا ضاق الإنسان واشتد عليه الأمر، فإنه يحصل له مثل هذا العبوس، بخلاف ما إذا حصل له سرور الباطن فإنه ينبلج وجهه ويستنير، فقال: عَبُوسًاضيقاً،قَمْطَرِيرًاأي: طويلاً، ولا شك أنه جاء في صفة ذلك اليوم في الكتاب والسنة ما يدل على طولهفِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[سورة المعارج:4]، قيل: هو يوم القيامة، وفي رواية عكرمة وغيره عنه في قوله:يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا جعله من صفة الكافر، قال: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، والقطران معروف، وأحضرناه مرة في درس الفقه.

يقول: وقال مجاهد:عَبُوسًاالعابس الشفتين، جعله من صفة الإنسان نفسه، فهذه الأقوال لا منافاة بينها، فإن الكفار الآن يكونون في ضيق وشدة يظهر أثرها على وجوههم بالعبوس، والعبوس معروف وهو ضد التبسم والانشراح، ليس الانشراح فقط، فالتبسم والبشاشة وطلاقة الوجه وما أشبه ذلك يقابله العبوس، وهو ما يحصل من قبض الوجه والتقطيب، والعبوس على منازل ومراتب، فقد يشتد هذا العبوس حتى يصل إلى حالة من الكلوح في الوجه، وتجتمع فيه أطراف الجبهة مع شدة في البسور.

فالحاصل إذن يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًاتعبس فيه الوجوه لطوله وشدته، ولذلك من قال: إن القمطرير هو الشديد -وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله- وكثير من المفسرين- فهذا لا ينافي قول من قال: إنه اليوم الذي يشتد فيه عبوس هؤلاء الكفار، أو من قال: إنه طويل؛ لأن طوله يدل بلا شك أنه شديد، من شدته أنه طويل حتى يعرقون ويحصل فيه ما يحصل.