السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا أي: قريبة إليهم أغصانها.

هؤلاء الذين قالوا -وهم قلة-: الزمهرير هو القمر ما الذي جعلهم يقولون هذا؟ يلجئون إلى لغة طئ؟ أنه ذكر الشمس، فقالوا: إذا فسر الزمهرير بالقمر كان مناسباً، لا يرون فيها شمساً ولا قمراً، لكن هذا القول فيه نظر.

الآن قوله:وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَاالجنة ليس فيها شمس، فكيف يكون فيها ظل، نقول: هذا لا يرِدُُ في نعيم الجنة، الأمور الغيبية، هي ليس فيها شمس ولا حر، ولكنها ظلال النعيم، وبعض أهل العلم يلجأ إلى القول بأن المقصود بـ ظِلالُهَا: أن غصونها وفروعها قريبة منهم فقط، الله قال: ظلال، وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا، هذه ظلال النعيم، وإن لم يكن في الجنة شمس.

وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاأي: متى تعاطاه دنا القطْفُ إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع، كما قال تعالى في الآية الأخرى:وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ[سورة الرحمن:54].

الجَنَى: يعني ما يجتنى من الثمار، جناها دانٍ أي: قريب في متناولهم، لا يحتاج أن يأتي بعود طويل أو حديدة ويتعانى قطع هذه الثمار، ويلحقه عناء وتعب بسبب ذلك، ولربما تركه بسبب صعوبة الوصول إليه، الآن كثير من الناس من عندهم مثلاً نخيل مزارع، أو في بيوتهم نخيل كثير، أو حتى نخلة واحدة، لربما تركوه وأهملوه، وإذا سألتهم قالوا: من يجنيه؟، صعب، رأيت بعض أهل المزارع يتركونه ثم يجعلونه للدواب، يقطعونه جميعاً ويعطونه الدواب، يقولون: مكلف جداًً استخراج هذا الثمر في وقته أولاً بأول، بينما ثمر الجنة كما وصف الله ،وَدَانِيَةً،وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَاكما قال في مياهها: يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، بمجرد ما يريد هذه العيون في الجنة تكون طوع إرادته، تأتيه في أي مكان شاء وهو في قصره، وهو في غرفته، وكذلك الثمار ثمار الجنة في متناولهم، بمجرد ما يشتهيها يجد أنها في متناول يده أو تصل إلى فمه، ما يحتاج إلى طلب، أو ينتظر، أو يقوم هو بعملية جنيها.

 وقال :قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ[سورة الحاقة:23].

قال مجاهد:وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاإن قام ارتفعت بقَدْره، وإن قعد تَذللتْ له حتى ينالها، وإن اضطجع تَذللت له حتى ينالها، فذلك قوله تعالى:تَذْلِيلا.

مذللة كما قال الله :وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ[سورة يس:72]، أي الأنعام بمعنى أنها طوع إرادتهم، فهذه القطوف والثمار بمجرد ما يشتهيها هي تصل إليه، سواء كان مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً.

وقال قتادة: لا يردّ أيديهم عنها شوكٌ ولا بُعد.

كل هذا من تذليلها، لا يرد أيديهم عنها شوك، بخلاف التي في الدنيا فهي غير مذللة ممتنعة؛ لأن هذه الأشجار التي فيها الشوك هي بمنزلة ما يحصل من الدواب والبهائم والحيوانات والحشرات من العض أو النطح أو غير ذلك مما تدافع به عن أنفسها، فكذلك الأشجار هذا الشوك يكون حاجزاً بين الإنسان وبين الوصول إلى ما يريده منها إلا بنوع من المعاناة.