قال المؤلف-رحمه الله تعالى-:وقوله تعالى:وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا[سورةالإنسان:17]أي:ويسقون-يعني الأبرار أيضا-في هذه الأكوابكَأْسًاأي: خمرًا، كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلافتارة يُمزَج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار، ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِرْفًا، كما قاله قتادة وغير واحد، وقد تقدم قوله:عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ[سورة الإنسان:6]، وقال هاهنا:عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا[سورة الإنسان:18] أي: الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً.
قال عكرمة: اسم عين في الجنة، وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحِدّة جَريها.
فيقول الله:وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاأي: كأساً من الخمرة طيبة الرائحة ليست كخمر الدنيا، وذكر ابن كثير -رحمه الله- أن العلة هنا هي: تحصيل الاعتدال، والمشهور الذي يذكره أهل العلم هو أن العرب كانت تستحسن مزج الخمرة بالزنجبيل؛ لطيب نكهته وطعمه، ومعلوم أن الخمرة سيئة الطعم فكانوا يخلطونها بالزنجبيل؛ ليحصّلوا طعماً طيباً، فالقرآن خاطبهم بما يعهدون من ألوان اللذات التي يعرفونها، وهذه الزنجبيل هي عين في الجنة، يخلط لهم هذا الشراب من عين في الجنة يقال لها: السلسبيل، والسلسبيل بعض أهل العلم يفسره بالمستلذ اللذيذ، والمشهور أن المراد بالسلسبيل هو السائغ السهل، السهل في جريانه ومسيله، والسهل أيضاً في حال تحصيله، فهو طيّع لهم، وهو سهل أيضاً في حال شربه، يشربونه من غير تكدير، لا يحصل لهم في شربه عناء، وإنما يسوغ في حلوقهم وأفواههم، سهل الشراب لا يجدون في ذلك عناء، فهي سهلة في جريها، وفي مسيلها، وانقيادها لهم، وشربها، يقال: ماء سلسبيل.