قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ[سورة الإنسان:2] أي: أخلاط، والمشج والمشيج: الشيء الخَليط بعضه في بعض.
قال ابن عباس -ا- في قوله تعالى:مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍيعني: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثم ينتقل بعدُ من طور إلى طور، وحال إلى حال، ولون إلى لون، وهكذا قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، والربيع بن أنس: الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
فهذا القول الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هو الذي عليه عامة أهل العلم من السلف فمن بعدهم، أن الأمشاج هي الأخلاط، بمعنى: أنه خليط من ماء الرجل ومن ماء المرأة، وهذا الذي دلت عليه الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله ﷺ فيما يظهر، وبعض أهل العلم يقول: إن الأمشاج جمع، وبعضهم يقول: إنه مفرد، ومنهم من يقول: إن هذه الأمشاج بمعنى أن ماء الرجل أبيض مع حمرة، فيه شيء من الحمرة، وماء المرأة أصفر، وبعضهم يقول: أصفر ولربما خالطه شيء من الاخضرار، فالمشهور أن ماء الرجل أبيض وأن ماء المرأة أصفر خلافاً لما يزعمه الأطباء قديماً وحديثاً -إلا من رحم الله حيث يقولون: إن المرأة أصلاً لا علاقة لمائها -إن وجد- بتكوين الإنسان وخلقه، لكن الله أخبر أنه يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ[سورة الطارق:7]، صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر، والنبي ﷺ لما سئل: هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال:نعم، إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة، فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال النبي ﷺ:فبمَ شَبَه الولد؟[1]، وكذلك قول النبي ﷺ:إذا علا ماءُ الرجل ماءَ المرأة، وكذا قال:إذا علا ماءُ المرأة ماءُ الرجل[2]، فيما ينزع إليه الشبه، ومتى يكون المولود ذكراً ومتى يكون أنثى، كل هذا بيّنه النبي ﷺ، فهذه الأمشاج بمعنى الأخلاط، خلقه الله من هذه الأخلاط.
وقال:إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ، والمقصود بذلك ما تناسل من ولد آدم ﷺ، وهذا لا شك فيه، والآية الأولى لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا[سورة الإنسان:1] كثير من السلف قالوا: إن المراد بها آدم ﷺ.
وقوله:نَبْتَلِيهِأي: نختبره، كقوله:لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا[سورة الملك:2]، فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا أي: جعلنا له سمعا وبصرًا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية.
أي أن الله أعطاه السمع والبصر ليتحقق بذلك مقصوده من تكليف هذا الإنسان وابتلائه بهذا التكليف وبغيره، ثم بعد ذلك ينقسم الناس إلى فريقين أهل الجنة وأهل السعير، وبعض أهل العلم يقولون: إن قوله:نَبْتَلِيهِمحمول على معنى آخر غير هذا، وهو ما يحصل في خلقه من نقله من طور إلى طور، ولكن هذا غير ظاهر؛ لأن الابتلاء معناه الاختبار والامتحان، هذا أصله.
- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب التبسم والضحك، برقم (6091)، ومسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، برقم (313).
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (2514)، وقال محققوه: "حسن"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5500).