يعني قل له: هل لديك رغبة، هل لك إلى أن تزكى، هل ترغب في التزكية؟ وأصل هذه المادة "الزكو" يدل على تطهير، ويدل على نماء، ولذلك الزكاة تطهر النفس، والمال، وفيها نماء للمال، "ما نقص مال من صدقة"، فهذا أصلها، وتزكية النفوس تكون على شقين:
الأول: الذي يسمى بالتخلية.
والثاني: الذي يسمى بالتحلية، فالنفوس بحاجة إلى إزالة ما يعلق بها من الأكدار، وهي بحاجة إلى بناء بالمعاني الطيبة، والكمالات، فالتزكية تقوم على هذين الأصلين، وهنا هل لك إلى أن تزكى؟ فهنا يدخل فيه التطهر من الشرك، والمعاصي، والتحلي بالإيمان، والعمل الصالح، فالتزكية تشمل الأمرين: تتطهر من الشرك، والمعاصي، والكفر، وتتحلى بالإيمان، والعمل الصالح.
وهنا قراءة الجمهور هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وفي قراءة نافع وابن كثير "تزْكَى" والذي يظهر - والله أعلم - أن معنى القراءتين واحد، كل ذلك من التزكية، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، إلا أن بعضهم كأبي عمرو بن العلاء وهو من أئمة اللغة يقول: إن قراءة التخفيف تكون بمعنى تزكية النفس، والتشديد "تزَكّى" تكون بمعنى الصدقة، لكن هذا فيه بُعد؛ لأن موسى ﷺ ما ذهب إليه يقول له: تصدق، وإنما يقول له: آمِنْ بالله وتخلَّ عن الإشراك، والكفر، ومحادة الله، وادعاء الربوبية، والإلهية أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [سورة النازعات:24]، ومَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي [سورة القصص:38].
ما ترك شيئاً فيقول له: هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى والتزكية في القرآن يعني غير الزكاة، فالزكاة معروفة وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43] هي المال المقدر الذي أوجبه الله في الأموال الخ... لكن "قد أفلح من تزكى" وأشباه ذلك في القرآن المراد بها تزكية النفوس قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:9-10] كل ذلك يراد به تزكية النفس بالإيمان، والعمل الصالح، والتخلي عن أضداد ذلك، هذا هو المراد، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [سورة الجمعة:2]، يعني يطهرهم بالإيمان، ويبني نفوسهم بالعمل الصالح، ويخلصهم من الشرك، وأدناسه، هذا المراد في جميع المواضع إلا أن من المواضع ما اختلف فيه أهل العلم اختلافاً لربما له ما يبرره، وله وجه من النظر، وإلا فالأصل أن التزكية تكون بهذا المعنى.