ابن جرير - رحمه الله - يقول: إن معنى رَفَعَ سَمْكَهَا يعني: سوّى السماء فلا شيء أرفع من شيء، وجعلها في حال من الاستواء، ليس فيها تضاريس، ومرتفعات، ومنخفضات كما هي في الأرض، فَسَوَّاهَا، فجميعها مستوٍ في ارتفاعها، وامتدادها، فهي مستوية الأرجاء، والأبعاد.
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات: 29]، قال: جعل ليلها مظلماً أسودَ حالكاً، ونهارها مضيئاً مشرقاً نيراً واضحاً، قال ابن عباس: أغطش ليلها: أظلمه.
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا أظلمه، الله يقول: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ يعني: القمر، وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12]، هي الشمس.
وأضاف الليل إلى السماء؛ لأن الشمس تشرق، وتغرب في السماء، فإذا أشرقت الشمس طلع النهار، وإذا غربت جاء الليل، فأضاف ذلك إليها، فالليل هو غروب الشمس، وطلوعها يساوي طلوع النهار، فأضيف إليها، كما قيل: نجوم الليل؛ لأنها تطلع في الليل، والنهار عبر عنه بالضحى مع أن الضحى هو جزء من أجزاء النهار، ووقته من بعد أن ترتفع الشمس قدر رمح، وله أول، وله أوسط، وهناك الضحى الكبير، أو الأكبر الذي يكون في آخره؛ ولهذا جاء في صلاة الأوابين حين تَرْمَض الفِصال[1]، الإبل الصغار لا تحتمل حرارة الشمس، فتصيبها الرمضاء، فتحرك قوائمها، إذا رمضت الفصال.
قال بعض أهل العلم: عبر بالضحى؛ لأنه أشرف أوقات النهار من حيث البركة، والنشاط، والانطلاق، والعمل، والسعي، بورك لأمتي في بكورها[2]، ولا زال الناس مِن أمثالهم: أمير النهار أوله.
فقوله: وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا يعني: أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس، هذا كله من دلائل قدرته - تبارك وتعالى - على بعث الأجسام، وإعادتها من جديد.
"قال ابن عباس: أغطش ليلها: أظلمه، وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وجماعة كثيرون.
وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا أي: أنار نهارها.
- أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (1/515) رقم: (748)
- أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1/229)، رقم: (754)، وأخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر (3/35)، رقم: (2606)، والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التبكير بالتجارة (3/509)، رقم: (1212)، بلفظ: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).