الخميس 04 / ربيع الأوّل / 1447 - 28 / أغسطس 2025
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ۝ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [سورة النازعات:6 - 7] قال ابن عباس: هما النفختان الأولى، والثانية، وهكذا قال مجاهدـ والحسن، وقتادة، والضحاك، وغير واحد، وعن مجاهد: أما الأولى وهي قوله - جل وعلا -: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ  فكقوله - جلت عظمته -: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، والثانية وهي الرادفة فهي كقوله: وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [سورة الحاقة:14]."

قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ الرجفان يعني الاضطراب، يوم ترجف الراجفة المضطربة يعني الصيحة العظيمة التي تتردد أو فيها تردد، واضطراب كالرعد، ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة، المقصود بها النفخة الأولى، والرادفة؛ لأنها أردفتها، في قوله - تبارك وتعالى -: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] مردفين يعني أن بعضهم يردف بعضاً، يعني يتبع بعضاً، فالألف يكون بعدهم مدد إلى ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف؛ ولهذا قال: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ [سورة آل عمران:125]، بهذه القيود يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا على أحد القولين يعني: يأتيكم مدد الكفار الذين وعُدوا بهم، الكفار وُعدوا بمدد، فخاف المسلمون فقال: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ أيضاً يأتيكم مدد آخر من الملائكة ألف يتبعهم آلاف إلى ثلاثة إلى خمسة، هذا على أحد القولين المشهورين في الآية.

فهذه ردفت النفخة الأولى، فقيل لها: الرادفة، هنا يقول ابن كثير - رحمه الله -: قال ابن عباس: هما النفختان الأولى، والثانية وهكذا قال مجاهد إلى آخره، وعن مجاهد: أما الأولى وهي قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ فكقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ [سورة المزمل:14]، والثانية هي الرادفة، "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة"، لكن هذا على خلاف قول عامة أهل العلم، بل إنه خلاف المتبادر، فالنفختان: الأولى هي الراجفة، والثانية هي الرادفة.

وقوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ هذا الظرف "يوم ترجف الراجفة" إما أنه متعلق بجواب القسم المقدر، باعتبار أنه مقدر يعني لتبعثن يوم ترجف الراجفة، فيكون منصوباً بجواب القسم المقدر، أو أن ذلك المتعلق فعل مقدر محذوف، أي واذكر يوم ترجف الراجفة، وهذا كثير قبل الظرف.

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ [سورة آل عمران:124]، أي واذكر إذ تقول، وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [سورة آل عمران:121]، واذكر إذ غدوت من أهلك تبوئ، فإما أن يربط بما قبله من مذكور، أو محذوف مقدر، أو يقال: إنه معمول لفعل مقدر محذوف، وهذا هو الغالب، وهو أسهل، واذكر كذا.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ اذكر يوم ترجف الراجفة، يعني ذات الصوت الهائل العظيم الذي فيه اضطراب لا يُقادَر قدره في تردد صوت هائل لا يطيق الناس سماعه، ولا يحتملونه، فهذه هي النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق، ثم تكون الرادفة عند البعث قد ردفت التي قبلها.

وسميت بهذا - والله تعالى أعلم -، وهذا قول عامة أهل العلم وإن قال بعضهم خلاف ذلك، كقول ابن زيد: الراجفة هي الأرض، والرادفة هي الساعة، يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ الأرض تضطرب وتهتز، تتبعها الرادفة يعني تتبعها الساعة، تتبعها القيامة، تضطرب الأرض، فتقوم القيامة، "إذا زلزلت الأرض زلزالها"، فجعل الرجفان للأرض، ويتبع ذلك قيام الساعة، وهكذا ما جاء عن مجاهد من أن الراجفة هي الزلزلة تتبعها الرادفة يعني الصيحة، ابن زيد قال: القيامة، وهذا قال: الصيحة، وهما بمعنى واحد، فإن القيامة تقوم بالصيحة، بالنفخ في الصور.

وبعضهم يقول: الراجفة اضطراب الأرض، والرادفة الزلزلة، وكأن ذلك يرجع إلى معنى واحد في قول هذا القائل، يعني الراجفة ترجف الأرض تتبعها الرادفة يعني الزلزلة، والرجْف هو بمعنى الزلزلة، والاضطراب.

والمشهور أن المقصود بالراجفة النفخة الأولى، والرادفة النفخة الثانية، بالأولى يموتون، وبالثانية يبعثون.