البصر في حال الشدة والخوف الشديد يكون في حال من الضعف بحيث لا يستطيع صاحبه أن يتحكم به، فيشخص البصر تارة فيوصف بذلك، فالأبصار شاخصة بمعنى أنها تزيغ، وتميل من شدة الخوف، "وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر" هذا في يوم الأحزاب، الزيغ هو الميل، مالت بمعنى أن النظر لم يعد صاحبه يستطيع التحكم به، أي أن الإنسان يصوب نظره بطريقة غير إرادية إلى جهة ما، فهنا لم يعد صاحبه قادراً على تصويب النظر إلى حيث شاء.
وتوصف أيضاً بالذل، والخشوع؛ لأن من معاني الخشوع الذل، الخشوع صفة مركبة من مجموع أوصاف منها الذل، فتكون هذه الأبصار خاشعة، هنا قال: أي أبصار أصحابها، هم تشخص أبصارهم فتكون تلك النفوس - أولائك الناس - في حال من الذل بسبب ما عاينوا من الأهوال والأوجال؛ لأنه أضاف الأبصار هنا إلى القلوب، والقلب له البصيرة وليس له البصر، البصر للعين وبصيرته لا توصف بالخشوع، فقال: أَبْصَارُهَا، إذاً ليس المقصود بصر القلب هنا، وإنما المقصود أبصار أصحابها.
فلما كان الكلام على الخوف الشديد والذي موضعه القلب؛ لأن الخوف منشؤه ومنبعه وموضعه ومستقره ابتداء وانتهاءً القلب، فيظهر أثره على الجوارح مثل باقي الأوصاف الأخرى القلبية كالفرح، واللذة والسرور، والرجاء، والمحبة كل ذلك موضعه القلب، فهو مستقر هذه الأمور، فهنا أبصارها يعني أبصار هؤلاء الذين عاينوا هذه الأهوال خاشعة في حال من الذل.