بسم الله الرحمن الرحيم يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة الأنفال:1].
قال البخاري قال ابن عباس - ا - : الأنفال: المغانم، ثم روى عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس - ا - : سورة الأنفال قال: نزلت في بدر.
أما ما علّقه عن ابن عباس فكذلك رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: الأنفال الغنائم كانت لرسول الله ﷺ، خالصة ليس لأحد منها شيء، وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك وقتادة، وعطاء الخرساني ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد أنها المغانم، وقيل: النفل ما ينفِّله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم، وقيل: هو الخمس بعد الأربعة من الأخماس، وقيل: هو الفيء، وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال، وما شذ منهم إلى المسلمين من دابة أو عبد أو متاع.
وروى ابن جرير عن علي بن صالح بن حيي قال: بلغني في قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قال: السرايا، ومعنى هذا ما ينفِّله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه السورة مدنية، بجميع آياتها، كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وإن قال من قال: إنه يستثنى منها قوله - تبارك وتعالى - : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ [سورة الأنفال:30]، وما بعدها بنحو ست آيات، ومستندهم في هذا هو أنهم لاحظوا المعنى، فما يتعلق بهذا المكر بالنبي ﷺ، ليقتلوه أو يخرجوه إنما كان بمكة، لكن هذا لا يكفي للحكم بأن هذه الآية مكية أو مدنية، وأن الأصل في السورة المكية أن تكون جميع الآيات نازلة بمكة، وأن السورة المدنية تكون جميع الآيات نازلة في المدينة إلا لدليل، وأما ما يذكر من جهة المعنى فحسب فهذا لا يكفي، ومعنى قوله - تبارك وتعالى - : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي: واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا، كما قال الله : وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ [سورة الأنفال:26] تُذكِّرهم بشيء مضى، فهذه السورة بجميع آياتها مدنية، - والله تعالى أعلم -.
وقوله - تبارك وتعالى - : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ هذا السؤال سؤال استعلام، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ لم يذكر ربنا - تبارك وتعالى - في هذه الآية المسئول عنه على سبيل التحديد والتفصيل، وإنما أبهمه كما في سائر المواضع الذي ورد فيها السؤال، ولم يقل: يسألونك عن حكم الأنفال، هل هي حلال أو حرام؟، فقد كانت محرمة على الأمم السابقة، فكانت تُجمع في مكان واحد بعد المعركة، ثم تنزل نار من السماء فتحرق هذه الأنفال - أي الغنائم -، وهذه الأمة كما قال النبي ﷺ في ذكر خصائصها: وأحلت لي الغنائم[1]، وهذا السؤال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ لم يحدد فيه المسئول عنه من حيث أنه الحكم في أصل الأنفال هل هي حلال أو حرام، أو لمن تكون، ولا كيفية التقسيم، وهي كقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [سورة البقرة:222]، يحتمل أن يكون السؤال عن سبب المحيض، لماذا يأتي المرأةَ الدمُ؟، أو عن هذا المحيض هل هو نجس أو طاهر؟، أو عن هذا المحيض ما الأحكام التي تتصل بالمرأة من الصلاة وغيرها، ومخالطة الرجل ومؤاكلته، أو عن الجماع في حال الحيض؟، وهو المراد قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ [سورة البقرة:222] وقد جاء في قراءة ليست متواترة، قرأ بها بعض الصحابة كسعد بن أبي وقاص ، وغيره يسألونك الأنفال، ومعنى هذه القراءة أي: يطلبونك الأنفال؛ لأنهم طلبوا من النبي ﷺ، فسأل سعد النبي ﷺ سيفاً أعجبه، وكانت هذه أول معركة تحصل بها غنائم للمسلمين، واختلفوا فيها ولم ينزل على النبي ﷺ شيء في حكم ذلك، فاختلفوا فيها لمن تكون، لأنهم كانوا على ثلاث طوائف: طائفة بقيت تحرس النبي ﷺ، وطائفة ذهبوا يطاردونهم، وطائفة عكفوا على جمع الغنائم، فلما رجع أولئك واجتمعوا عند رسول الله ﷺ تنازعوا، هؤلاء قالوا: نحن قبضناها، وهؤلاء قالوا: نحن الذين ذهبنا نطارد العدو فنحن أولى بها منكم، والآخرون قالوا: نحن كنا رفداً لكم لو أنكم انهزمت لانحزتم إلينا، بقينا نحرس رسول الله ﷺ ونحوطه، فنحن أحق بها، فالله - تبارك وتعالى - قال: قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فجعل حكمها لله ولرسوله ﷺ، وليس لهم، يحكم فيها بأمر الله، والأنفال: جمع نفل، ويأتي لمعان عدةٍ، الذي يصلح منها هنا هو الزيادة، مثل: صلاة النافلة، باعتبار أنها زائدة على الفريضة، وولد الولد يقال له نافلة وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [سورة الأنبياء:72] ولد الولد زيادة على الولد، وهذه الغنائم قيل لها: أنفال؛ لأنها زيادة لهذه الأمة، أحلت لهذه الأمة ولم تحل لأحد قبلها، أو قيل لها ذلك: لأنها زيادة في حظ المجاهد، فوق الأجر الذي يحصل له بسبب هذا الجهاد، ويقول ابن كثير -رحمه الله-: قال البخاري: قال ابن عباس: الأنفال: المغانم. هذا القول هو المشهور الذي عليه الجمهور، الأنفال هي الغنائم، والعلماء رحمهم الله اختلفوا كثيراً في الأنفال وفي الفيء أيضاً، ما المراد بهذه الأنفال؟، وذُكر هنا عن ابن عباس أنه قال: إن هذه نزلت في بدر، وذلك حينما تنازعوا في أمر الأنفال، وأنها كانت لرسول الله ﷺ خالصة ليس لأحد منها شيء، بمعنى أن قوله: قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ أي: أن حكمها لله والرسول، قيل: المراد بأنها لله والرسول، بأن الله جعلها لرسوله ﷺ فهي حق له، وليست القضية تتعلق بحكمها، وليست للمقاتلين، هذا في أول الأمر، ثم نسخها قول الله - تبارك وتعالى - بعد ذلك حينما اطمأنت نفوسهم، وانقادوا لحكم الله ، وارتفع الشقاق والنزاع بينهم أنزل الله : وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [سورة الأنفال:41] قال هذا جمع من أهل العلم، وعلى هذا تكون هذه الآية وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم نزلت في بدر، وهذا هو الأقرب، فالنبي ﷺ قسم غنائم بدر وخمسها، بدليل حديث علي في الشارف، أوفي الشارفين اللذين نحرهما حمزة والقصة في الصحيحين[2]، فعلي ذكر أن أحدهما وقع له في سهمه في الغنيمة، وأن الآخر أعطاه النبي ﷺ إياه من الخمس، فدل على أنها خمست، ولذلك قال ابن كثير - رحمه الله - : إنها كانت لرسول الله ﷺ خالصة ليس لأحد منها شيء، أي: أن الأنفال التي هي الغنائم، على المشهور، وهو الأقرب، وهو الذي عليه عامة أهل العلم، وقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - جملة ممن قال به وهو قول الجمهور، وذكر قولاً آخر وهو: أن الأنفال ما يعطيه الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم، فقالوا: هذه هي الأنفال، أنس أعطاه أمير شيئاً من الغنيمة قبل أن تقسم فأبى وقال: حتى تقسم[3]، فالأمير قد يعطي زيادة بعد القسم لبعض الناس، لبلائه وشدته على الكفار وما أشبه هذا، وقيل: هو الخمس بعد الأربعة من الأخماس، يعني أن الغنيمة تقسم، فأربعة أخماس للمقاتلين، الفارس له سهمان سهم له وسهم لفرسه، وغير الفارس ممن يركب البعير أو الحمار أو البغل أو على قدميه له سهم واحد، الأربعة الأخماس تعطى لهم، والخمس يقسم إلى خمسة أقسام، كقسم الفيء، فهذا القول يقول: هو الخمس بعد الأربعة من الأخماس، وهو المقصود بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ إلى آخره، لكن هذا فيه بعد؛ لأنهم ما تنازعوا في هذا، وإنما حصل النزاع في أصل الغنيمة حينما حصلت لهم، وقيل: هو الفيء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال، وما شذ منهم إلى المسلمين من دابة أو عبد أو أمة أو متاع، وقد جعله على خمسة أقسام كما قال الله في سورة الحشر: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [سورة الحشر:7]، لكن هذا فيه إشكال؛ لأن الذي اختلفوا فيه لم يكن قد حصل من غير قتال، الذي حصل لهم إنما كان بقتال وانتصار ساحق على الكفار، الفيء نزعه الله من أيديهم، قال:فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء [سورة الحشر:6]، مَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ، يعني ما نافية، ويكون المعنى أي: لم توجفوا عليه، والإيجاف هو الإسراع، مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ يعني لم يحصل لكم فيه قتال للعدو وإغارة؛ لأن الخيل ترمز لهذا، كما في وقعة أحد لما قال رسول الله ﷺ لسعد بن أبي وقاص : ائتنا بخبر القوم إن ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فهو الظعن، وإن ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهي الغارة على المدينة[4]، فالخيل تستعمل للإغارة، والإبل تستعمل للسفر الطويل، فالله يقول لهم: مَا أَوْجَفْتُمْ، أي: ما حصل منكم إيجاف أي إسراع ولا كد ولا تعب بهذا الفيء، لا بإغارة على العدو ولا بسفر طويل، ووقع هذا مع اليهود في بني قريظة، وبني النضير، ووقع لبعض أهل القرى، والفيء ليس للمقاتلين منه شيء، ولذلك النبي ﷺ أعطى الفيء الذي حصل من بني النضير أعطاه جميعاً للمهاجرين؛ لأنه خيّر الأنصار فقال لهم: إن شئتم بقي المهاجرون في أرضكم وقسمته بينكم، يعني ما حصل من بني النضير، وإن شئتم خرجوا من أرضكم وقسمته بينهم؛ لأنهم كانوا فقراء تركوا كل شيء، فقالوا: لا يا رسول الله، يبقون في أرضنا وتقسمه بينهم دوننا، فهذا الذي قال الله فيه: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [سورة الحشر:9]، وقال: وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا، والحاجة هي الحسد، مِّمَّا أُوتُوا أي: مما أوتيه إخوانهم من المهاجرين، فالفيء يخمس خمسة أقسام كما في آية الحشر، والغنيمة أربعة أخماس للمقاتلين، والخمس يقسم كقسمة الفيء، ومعنى قول علي بن صالح: بلغني في قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قال: هي السرايا، أي: ما ينفِّله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش، بمعنى أن الجيش قد ينبعث منه سرية ويحصل لها ظفر، فيعطون زيادة على ما يحصل لهم من أصل الغنيمة التي تحصّل عليها الجيش، وبعضهم قال: المقصود به خمس الخمس، وخمس الخمس يقسم لله وللرسول، والراجح أن سهم الله وسهم النبي ﷺ واحد، كان النبي ﷺ يأخذ منه نفقته ونفقة أهله لمدة سنة، والباقي يصرفه في الكراع، وفي المصالح العامة كإعداد الجيش، وشراء السلاح، ومصالح المسلمين العامة، وهذا أيضاً بعيد؛ لأن النزاع كان في أصل الغنيمة، وأسباب النزول الواردة في الآية كثيرة جداً تدور حول هذا المعنى، وابن جرير - رحمه الله - اختار أن المراد به: ما يعطى لبعض الناس زيادة على السهم، وهذا يؤيده بعض الروايات في سبب النزول، قال سعد بن أبي وقاص : " يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف، قال: إن هذا السيف ليس لي ولا لك، فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبلِ بلائي، فبينما أنا إذ جاءني الرسول فقال: أجب، فظننت أنه نزل فيّ شيء بكلامي فجئت فقال لي النبي ﷺ : إنك سألتني هذا السيف، وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي فهو لك، ثم قرأ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ إلى آخر الآية"[5]، وكذلك قوله ﷺ : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه[6]، قال بعض أهل العلم: هذا هو المراد، والذي يظهر أن الأنفال هي الغنائم، - والله أعلم - ، والخمس للإمام أو للقائد وله النظر في إعطاء بعض الحوافز مثل أن يقول للناس: من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيراً فله سلبه، وله أن يعطي فوق السهمان، ويمكن له أن يعطي شخصاً لشدة بلائه زيادة على سهمه، وهذا ما أظنه أقرب - والله تعالى أعلم -.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا الحديث احتج به من قال: إن الأنفال ليست هي الغنائم، وإنما ما يعطى زيادة على السهم، كما قال ابن جرير - رحمه الله -، وتقدم أقوال العلماء في المراد بالأنفال فمنهم من قال: الغنائم، ومنهم من قال: إنها ما جاء للمسلمين من غير قتال؛ كالفرس يند، والعبد يدركه المسلمون، وما يحصل من غير قتال، ومنهم من يقول: هي ما يعطى للسرايا زيادة على سُهمانهم من الغنيمة، فكان النبي ﷺ يعطيهم فوق ذلك، ومنهم من يقول: هو خمس الغنيمة لأنها تقسم على خمسة أقسام، فهذا الخمس يعطون منه، ومنهم من يقول: خمس الخمس، وسبب النزول في هذا الحديث هو طلب السيف، قال: أعطنيه، فأبى، ثم بعد ذلك أعطاه إياه، وليس في قسم الغنيمة، يقول: فنزلت الآية، ويحتمل أن يكون المراد أنها نزلت بعد هذا كله؛ لأنه ورد فيها أسباب صحيحة متعددة، وأخرى ضعيفة، ومن هذه الأسباب طلب سعد للسيف، فهذا مما يعطاه فوق قسم الغنيمة، ووردت أحاديث أخرى تدل على أنهم تنازعوا في أصل الغنيمة، فنزلت الآية، فتكون الآية نزلت في بدر بعدما وقع ما وقع فيما يتعلق بأصل الغنيمة، وكذلك فيما يطلبه بعضهم من العطاء من الغنائم قبل قسمها، وكذلك ما يتصل بالخمس ما شأنه وكيف يُصرف وكيف يتصرف به؟، فالآية نازلة بعد هذه الأمور جميعاً، وقوله - تبارك وتعالى - : وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ [سورة الأنفال:41]، إما ناسخة على قول بعض أهل العلم، أي: جعل الله الغنائم لله ورسوله ﷺ وليست للمقاتلين في أول الأمر، ثم نسخ بقوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فخمسها، ويحتمل أن تكون غير منسوخة وإنما هي مبينة لها، ثم بيّن هذا الحكم بقوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم والنسخ لا يثبت بالاحتمال.
وروى الإمام أحمد أيضاً عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت - ا - قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله ﷺ لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله ﷺ : لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله ﷺ ، خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [سورة الأنفال:1]، فقسمها رسول الله ﷺ بين المسلمين، وكان رسول الله ﷺ إذا أغار في أرض العدو نفَّل الربع، فإذا أقبل - وكلُّ الناس - راجعاً نفَّل الثلث، وكان يكره الأنفال، ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم[9]، وروى الترمذي وابن ماجه نحوه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن[10].
وقوله تعالى: فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ أي: اتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم، ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا، فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه.
قوله: وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [سورة الأنفال:1]، أي: أصلحوا فيما بينكم، وبعض أهل العلم يقول: وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ أي: ما وقع بينكم من الكلام حينما اختلفتم، وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ، ما وقع بينكم علانية، فكل منكم يقول ويرد ويجادل، هذا يقول: أنا أحق، وهذا يقول: أنا أحق، فيحصل التشاحن، وهذا يقابل ما يقع في سر الإنسان ويقال له: ذات الصدور عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة الأنفال:43]، فما يقع بين الإنسان وإخوانه يقال: ذات البين، وفسره بعضهم بالوصلة التي تكون بينهم، وهي أقوال متقاربة، وهذه الوصلة هي الرابطة الإيمانية، والأخوة الإسلامية، فتكون نقية من كدر الحقد والغل والغش والشحناء، أي أصلحوا حقيقة ما بينكم.
وقال السدي: فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ أي: لا تستبوا.
قوله: لا تستبوا، أي: ارفعوا أسباب الشر والخلاف، والشحناء وكل ما يوغر الصدر بين المسلم وأخيه.
قوله: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة الأنفال:1]، هذا يدل على أن صلاح ذات البين من الأمور الواجبة، ولذلك علّقه بالإيمان فقال: إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فافعلوا ما أمرتكم به، ومثل هذا مفهوم المخالفة فيه غير مراد، بمعنى أن الإنسان الذي يكون بينه وبين إخوانه شحناء ليس معنى ذلك أنه ليس بمؤمن، فيكون المعنى إن كنتم مؤمنين حقاً فأصلحوا ذات بينكم، وهذا الأسلوب يستعمل للتحضيض والتحريض، كقولك: إن كنت ابن الكرام فافعل كذا، تريد حثه على هذا الفعل وتحفيزه، وأنت تعلم أنه ابن أبيه.
- رواه البخاري برقم (427)، كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ومسلم برقم (521)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
- رواه البخاري برقم (1983)، كتاب البيوع، باب ما قيل في الصَّواغ ، ومسلم برقم (1979)، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر.
- رواه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي في المصنف في الأحاديث والآثار (6/500)، برقم (33292)، كتاب السير، باب في الإمام ينفل قبل الغنيمة وقبل أن يقسم، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد - الرياض، ط1، سنة النشر: 1409هـ.
- المغازي للإمام الواقدي (298).
- رواه أبو داود برقم (2740)، كتاب الجهاد، باب في النفل، والترمذي برقم (3079)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الأنفال، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2378).
- رواه البخاري برقم (2973) كتاب الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه، ومسلم برقم (1751)، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
- رواه أبو داود برقم(2740)، كتاب الجهاد، باب في النفل، والترمذي برقم (3079)، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الأنفال، وأحمد في المسند (3/117)، برقم (1538)، وقال محققوه: إسناده حسن، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2378).
- رواه الإمام أحمد في المسند (37/411)، برقم (22747)، وقال محققوه: إسناده حسن لغيره.
- رواه أحمد في المسند (37/422)، برقم (22762)، وقال محققوه: حسن لغيره، وابن ماجه برقم (2853)، كتاب الجهاد، باب النفل، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2302).
- رواه الترمذي برقم (1561)، كتاب السير، باب في النفل، وابن ماجه برقم (2853)، كتاب الجهاد، باب النفل، وأحمد في المسند (37/422)، برقم (22762)، وقال محققوه: حسن لغيره، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2302).