الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
وَإِذْ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم، وهذا مما عيبوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه، ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة، كقوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة العنكبوت:53] وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [سورة ص:16] وقوله: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ۝ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ [سورة المعارج:1-3]، وكذلك قال الجهلة من الأمم السافلة، كما قال قوم شعيب له: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [سورة الشعراء:187]، وقال هؤلاء: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، قال شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن أنس بن مالك قال: هو أبو جهل بن هشام قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.[1] رواه البخاري.

ورواه أيضاً مسلم، ولا يستغرب هذا من أبي جهل، فكل مسمى له من اسمه نصيب، ولكن الله أضافها إليهم بصيغة الجمع وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ وهذا لا إشكال فيه، وذلك أن القول قد ينسب إلى الطائفة أو الأمة، إذا كان قد صدر من مقدمها وقائدها، وكذلك أيضاً كل طائفة تكون على دين واحد، وحال واحدة، فإن ما صدر من بعضها فإنه يمكن أن يضاف إلى مجموعها، كما يذكر الله عن بني إسرائيل، يخاطب الذين كانوا في زمن النبي ﷺ، يقول: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [سورة البقرة:55]، وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ [سورة البقرة:61] وما أشبه هذا، مع أن الذين قالوا ذلك هم أجدادهم الذين كانوا في زمان موسى ، فلما كانوا على طريقتهم ودينهم، صح نسبة ذلك إليهم، فهم قالوا في القرآن بأنه أساطير الأولين، والأساطير جمع أسطورة أو إسطارة وهي: ما يسطر من مختلقات الأوليين وقصصهم وحكاياتهم، وقوله: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ قال هذا غيرهم من الأمم المكذبة مبالغة منهم في التكذيب، يعني هم يريدون أن يظهروا الوثوق الكامل بأن هذا ليس من عند الله، مثل ما يقول الإنسان: إن كان ما تقوله حقاً فيدعو ربه أن يموت الآن، وأن لا يخرج من هذا المكان وهو حي، يريد أن يبدي للآخر أن هذا الكلام الذي تقوله لا يمكن أن يكون مصدقاً ومقبولاً، هكذا عبروا، وكان من الواجب عليهم أن يقولون: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، ولكن إنما يقول هذا من كان منصفاً طالباً للحق، لكن من كان مكابراً وهو لا يقول هذا إطلاقاً، ولا يريد أن يتطرق هذا الاحتمال أصلاً إلى ذهن أحد، ولذلك فإنه يقابله بمثل هذا الرد والعبارة، حتى أنهم ما دعوا بالهلاك مجمل، لكن جاء بهذا الدعاء المختص المفصل البليغ ليدل على أنه واثق كل الثقة من أن هذا باطل لا يمكن أن يكون حقاً، ولذلك من طرق الجدال والمناظرة طريقة معروفة، وهي التنزل مع المخالف، مثل ما قال إبراهيم ﷺ: هَذَا رَبِّي [سورة الأنعام:76] للكوكب، قاله مناظراً لا ناظراً، وكقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [سورة سبأ:24]، هذا من باب التنزل وإلا يعلم أنه على هدى، وكذلك على أحد المعاني التي فسر بها قوله - تبارك وتعالى - : قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [سورة الزخرف:81]، وقوله: وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ [سورة غافر:28] فمثل هذا من باب التنزل، هو يعلم أنه صادق، فالأمم السابقة قالت مثل هذه المقولات، فقوم صالح قالوا: ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [سورة الأعراف:77]، إلى غير ذلك، وقد أورد المصنف - رحمه الله - جملة من مقالات المكذبين للرسل عليهم الصلاة والسلام.

  1. رواه البخاري برقم (4371)، كتاب التفسير، باب وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، ومسلم برقم (2796)، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ الآية.