السبت 26 / ذو القعدة / 1446 - 24 / مايو 2025
وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، فيقول النبي ﷺ: قدٍ قد[1].


قوله ﷺ : قدٍ قد أي: يكفي لا تزيدوا عليه، فيزيدون في الإشراك يقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وهذا معنى قول الله : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [سورة يوسف:106].

ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك غفرانك، فأنزل الله: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ الآية، قال ابن عباس -ا-: "كان فيهم أمانان النبي ﷺ والاستغفار، فذهب النبي ﷺ وبقي الاستغفار"[2].


وهذه الرواية لا تصح في سبب النزول، لكن كانوا يلبون بهذه الطريقة، فالله يخبر عنهم وعن حالهم وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ هم طلبوا العذاب فذكر مانعين من موانع العذاب، الأول: وجود النبي ﷺ بين أظهرهم، وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ فالله يخرج الأنبياء وينجيهم إذا أراد أن يوقع العقوبات بأممهم، كما حصل لنوح ولوط، وهود وصالح، فينجيهم الله - تبارك وتعالى - ، فخرج النبي ﷺ من بين أظهرهم، فبقي الأمر الآخر وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، والمراد بالاستغفار من أهل العلم من يقول: أي من سيخرج من أصلابهم، كما قال النبي ﷺ فيما يروى عنه قال: لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً[3] وهذا التفسير فيه بعد، وقول الله : وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يدل على أنه استغفار واقع، وفسره بعض أهل العلم باستغفار المؤمنين الذين كانوا بين أظهرهم، ممن صدق النبي ﷺ وآمن به، وقيل: بأن هذا الاستغفار باعتبار ما سيكون من بعضهم، علم الله أنهم سيؤمنون، فيكون منهم الاستغفار، وهذا فيه بعد، وقيل: كان يقع منهم الاستغفار، كما في هذه الرواية، وإن كانت لا تصح من جهة الإسناد، ويقولون: غفرانك غفرانك، وبعضهم فسر الاستغفار بالصلاة ولكن يقول الله: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً [سورة الأنفال:35]، وبعضهم فسره بالإسلام وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وهذه المعاني بعيدة، وأحسن ما فسر به ذلك أن هذا كما قال ابن جرير - رحمه الله - بمعنى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي: ولكنهم لا يستغفرون فاستوجبوا العذاب، ولهذا قال بعده: وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ [سورة الأنفال:34]، ولا يقال هذا بالنسبة لأهل الإيمان الذين كانوا بين أظهرهم؛ لأن هؤلاء ينجيهم الله إذا وقع العذاب - والله أعلم - .
وروى الترمذي عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ : أنزل الله علي أمانين لأمتي {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة[4]، ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسند والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد : أن رسول الله ﷺ قال: إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني[5]. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

  1. رواه مسلم برقم (1185)، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/1691)، برقم (9017)، تحقيق: أسعد محمد الطيب، المكتبة العصرية، ورواه مسلم برقم (1185)، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها.
  2. هذه تتمة رواية ابن أبي حاتم المتقدمة، رواها أيضاً البيهقي في السنن الكبرى (5/45)، برقم (8819)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز- مكة المكرمة، سنة النشر:1414هـ- 1994م.
  3. رواه البخاري برقم (3059)، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، ومسلم برقم (1795)، كتاب اللقطة، باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين، من حديث عائشة ا.
  4. رواه الترمذي برقم (3082)، وقال: هذا حديث غريب وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (1341).
  5. رواه الإمام أحمد في المسند (17/337)، برقم (11237)، وقال محققوه: حديث حسن، والحاكم في المستدرك (4/290)، برقم (7672)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (104).