قدّر الله ذلك لحكمة وهي أن يتميز الناس؛ لأن بذل النفوس والأموال في سبيل الله أمر شاق غاية المشقة، قال : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ [سورة البقرة:216] وأقدَرَ هؤلاء الكفار وأنهض عزائمهم من أجل قتالكم وبذل الأموال في الصد عن سبيل الله، فالله يبلو المؤمنين بالكفار ويبلو الكفار بالمؤمنين لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فيظهر أهل النفاق في هذه الأعمال والعبادات الشاقة كما قال الله في قصة أحد: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [سورة آل عمران:122]، وقال في الأحزاب: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [سورة الأحزاب:15] قيل: هؤلاء من بني سلمة انهزموا في أحد فندموا فعاهدوا الله ألا يعودوا، وأخبر الله عن المنافقين بقوله: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [سورة الأحزاب:12-13].