السبت 26 / ذو القعدة / 1446 - 24 / مايو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ۝ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [سورة الأنفال:35-36]، قال محمد بن إسحاق حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، قالوا: لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فَلُّهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بِعِيرِه مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا ففعلوا، قال: ففيهم كما ذكر عن ابن عباس - ا - أنزل الله  : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ إلى قوله: هُمُ الْخَاسِرُونَ.

هذه الرواية لا تصح، ومعلوم أن المشركين حينما خرجوا في بدر وأُحد أنفقوا أموالهم في الصد عن سبيل الله وكانوا في مسيرهم إلى أحد يذبحون كل يوم نحو عشر من الإبل.
وقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لا يختص بكفار قريش، بل هو عام في كل الكفار، ومعلوم أن الناس أسرى لعقائدهم وأفكارهم ومبادئهم، فهم ينفقون نفيس الأموال في سبيل نصرتها وإعزازها ونشرها بين الناس، بل ويبذلون المُهَج في سبيل مبادئهم.
قوله: يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنفال:36]  سواء كان في ميدان المعركة أو في غير ذلك من الميادين.
قال: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ العبرة بالنهايات لا بكمال البدايات، وهذا معلوم ومشاهد إلى يومنا هذا، فعبدة الصليب ينفقون المليارات في حرب المسلمين، وفي القنوات التنصيرية والإباحية التضليلية وعند النظر إلى هذه الأرقام قد يصاب الإنسان بالإحباط الشديد، ولكن إذا تذكر قول الله – تبارك وتعالى -: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [سورة الأنفال:36] يشعر بالأمل من جديد.
وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير والحكم بن عيينة وقتادة والسدي وابن أبزى: أنها نزلت في أبي سفيان ونفقته الأموال في أحد لقتال رسول الله ﷺ.
هذا الأسلوب ليس صريحاً في سبب النزول، فأبو سفيان ممن تشمله الآية، ونزلت في المطعمين من قريش، والآية تعم كل أهل الكفر؛ لأن الله قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ولم يقل: إن قريشاً ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ومن المعلوم أن الاسم الموصول من صيغ العموم.

وقال الضحاك: نزلت في أهل بدر. وعلى كل تقدير فهي عامة، وإن كان سبب نزولها خاصاً، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق فسيفعلون ذلك ثم تذهب أموالهم ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة، حيث لم تجزِ شيئاً لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [سورة الصف:8] وناصر دينه ومعلٍ كلمته ومظهر دينه على كل دين، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار، فمن عاش منهم رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي، ولهذا قال: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [سورة الأنفال:36].