الجمعة 18 / ذو القعدة / 1446 - 16 / مايو 2025
وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [سورة الأنفال:40] أي: وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم فاعلموا أن الله مولاكم وسيدكم وناصركم على أعدائكم، فنعم المولى ونعم النصير.
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة الأنفال:41].
يبيّن تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة من إحلال المغانم، والغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب.


قوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم، أصل غنمتم في كلام العرب كما يقول بعض أهل اللغة أنها من إصابة الغنم غَنِمْتُم، ثم صار يستعمل في كل ما يتحصل عليه من أموال الأعداء، ثم استعمل في كل ما يحصله الإنسان ويكسبه ويجتهد في طلبه فيقع له، ولهذا يقال: رضينا من الغنيمة بالإياب، وذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - الفرق بينها وبين الفيء، فمن أهل العلم من يقول بأنهما بمعنى واحد، وهذه الآية مع قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ [سورة الأنفال:1]، فأضافها إلى الله ورسوله ﷺ،  وفي قوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِالآية جعلها مخمسة.
وفي آية الفيء قسمه إلى خمسة أقسام، فيمكن أن يقال: بأن الآية الأولى من سورة الأنفال أن الله نزعها من أيديهم لما تخاصموا وتنازعوا فيها، فنزعها من أيديهم وجعلها لله ولرسوله ﷺ، ومن أهل العلم من يقول: إن الإضافة في قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ أي: أن حكمها إلى الله والرسول في قسمها وتصريفها، وأن ذلك ليس إليكم، عندما تنازعوا فقال بعضهم: نحن الذين طلبنا العدو، وقال البعض: نحن الذين حمينا النبي ﷺ، وقال البعض: نحن الذين حزناها وجمعناها، فيقول: حكمها لله والرسول، ويحتمل أن يكون ذلك من ناحية التمليك، فنزعها من أيديهم، وعلى هذا المعنى قال من قال: بأن قوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم ناسخة لقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ، وهذا قول جمهور العلماء، ونقل الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - الاتفاق والإجماع على أن قوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم نازلة بعد قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ، والراجح أنها نازلة في بدر، وأن غنائم بدر خمست، ويدل عليه ما جاء عن علي في الشارفين، والشارف الجمل، كان علي قد جعله للنضح والسقي، سقي زرع، فحمزة لما شرب فسكر نحرهما لما قالت الجارية: ألا يا حمز للشرف النواء، فقام ونحر الشارفين وشق كلاهما، ثم جعلهما للناس يأخذون ما شاءوا[1]، فذكر في هذا الحديث، أن أحد هذين الجملين، أصابه من سهمه من بدر، والثاني من الخمس، أعطاه النبي ﷺ إياه من الخمس، فهذا يدل على أنها قد خُمَّسه، فآية وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم نزلت بعد يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ وكل ذلك نزل في بدر، فنزعها من أيديهم لما تنازعوا، فلما ارتاضت نفوسه نزلت هذه الآية في قسمتها وبيان مصارفها.
والراجح أن الغنيمة هي: ما أخذ من الكفار بالقوة، وأن الفيء ما نزل الكفار عنه من أموالهم للمسلمين، مثل خبير، وبني النضير، وفدك، وبني قريظة، وغيرها التي حصل للمسلمين منها الفيء، فأصله من فاء بمعنى رجع، رجع إلى المسلمين، وقد يطلق بمعنى الغنيمة، يعني بإطلاق واسع، وإطلاقه المخصوص الذي وردت فيه آية الحشر، هو ما رجع إلى المسلمين من أموال الكفار من غير قتال، فهذا يخمس، لكن تخميسه يختلف عن قسمة الغنيمة، ويدل على هذا قول الله في الفيء: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ [سورة الحشر:6]، والإيجاف هو الإسراع في المشي، والخيل ترمز للإغارة والهجوم؛ لأنها تستعمل لهذا الغرض، والركاب الإبل ترمز لطول المسافة، يعني ما قطعتم فيه شقة ولا بذلتم فيه مشقة، ولا حصل منكم إغارة على العدو ولا سافرتم في طلبه، فطريقة قسم الفيء على الراجح والغنيمة على كثرة كلام أهل العلم في هذا والاختلاف الواقع فيه، أن الفيء يخمس كما ذكر الله كما في تخميس خمس الغنيمة، لاحظ الفرق، الفيء يقسم خمسة أقسام، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ  [سورة الحشر:7]، ليس للمقاتلين شيء، والنبي ﷺ قسم الفيء الذي حصل عليه من بني النضير بين المهاجرين بعد أن سأل الأنصار وقال لهم: إن شئتم خرجوا من أرضكم وقسمتها بينكم خاصة، وإن شئتم بقوا في أرضكم، وقسمتها بينكم، ذلك لأن الأنصار رضوان الله عليهم قسموا أرضهم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، فقال الأنصار: لا يا رسوله يبقون في أرضنا وتقسمها بينهم دوننا، هذه كما قال الله : وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً [سورة الحشر:9] يعني حسداً، مِّمَّا أُوتُوا يعني ما أوتيه المهاجرون دونهم، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ولو كان بهم حاجة شديدة يؤثرون على أنفسهم، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فالفيء لو كان كقسم الغنيمة لم يقسمها النبي ﷺ على المهاجرين، ولا قال للأنصار هذا الكلام، لأنه ليس لهم منها شيء أصلاً، وإنما أعطى رجلين من الأنصار لحاجة شديدة، فقسمة الفيء خمسة أقسام لله وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والغنيمة تقسم خمسة أقسام، لكن الفرق بين قسم الغنيمة، وقسم الفيء، أن الخمسة أقسام في الغنيمة، أربعة أخماس للمقاتلين توزع للفارس سهمان سهم له وسهم لفرسه، ولغيره كراكب الجمل والحمار والبغل ومن كان على قدميه، يعطى سهماً واحداً، والخمس هذا هو الذي ذكر الله  : فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وذكر تقسيم الخمس، وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ إلى آخره هذه في قسمة الخمس، وهذا الخمس في قسمه خلاف كثير بين أهل العلم، وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ فهذه الأقسام، أن لله خمسه، لو قلت: أن لله الخمس، وللرسول الخمس وهكذا البقية، فإنه سيكون على ستة أقسام، معنى ذلك أنه يسدس لا أنه يخمس، والله ذكر التخميس مما يدل على أن سهم الله وسهم الرسول ﷺ واحد، مع أنه يوجد من أهل العلم من قال: بأنه يقسم على ستة أقسام، لله سهم، قالوا: يصرف في أمور الكعبة وما شابه ذلك، ويبقى على ستة أقسام، وهذا بعيد جداً، ومخالف لظاهر الآية، والذي عليه عامة أهل العلم سلفاً وخلفاً: أن سهم الله وسهم الرسول ﷺ واحد، ومن أهل العلم من يقول: إن قوله: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ أن ذكر الله للاستفتاح فقط، ومن أهل العلم من وجه ذكر الله ، قال: بأن النبي ﷺ أو من ينوب عنه يقول: يضع يده عليه فما أصابه بيده من هذا المال يصرف للكعبة، يعني ما هو بخمس، أرادوا أن يخرجوا من الإشكال، أنه كيف تكون القسمة سداسية، فكان النبي ﷺ يأخذ منه نفقته ونفقة أهله لمدة سنة، والباقي يرده على المسلمين في الكراع والسلاح، فالباقي من هذا السهم، يصرف في مصالح المسلمين العامة، في إعداد الجيش والسلاح وبناء المدارس والمستشفيات، وإصلاح الطرق وما أشبه هذا، هذا هو الراجح - والله أعلم - .
والأحناف يقولون: سهم النبي ﷺ وسهم الله واحد، وسهم النبي ﷺ وسهم القرابة ذهب بعد موت النبي ﷺ ، فبقيت القسمة ثلاثية: اليتامى والمساكين وابن السبيل، وهذا غير صحيح، وقيل: بأن سهم النبي ﷺ يكون للخليفة من بعده، يكون للخليفة يأخذ منه ويصرف في مصالح المسلمين، بل من أهل العلم من قال: بأن سهم ذوي القربى قرابة النبي ﷺ في أيام حياته وبعد موته يكون لقرابة الإمام أو الخليفة، وهذا بعيد غاية البعد، بل هو باطل، والراجح أنه لقرابة النبي ﷺ في حياته وبعد موته، ومن أهل العلم كالإمام مالك - رحمه الله - من يقول: بأنه يتصرف فيه الإمام، يأخذ منه ما يحتاج إليه والباقي يصرفه بحسب ما يراه، قد يعطي بعض المقاتلين لشدة بلائه إضافة إلى سهمه ينفِّله شيء من الخمس، وقد يعطي بعض الأصناف المذكورة اليتامى والمساكين إلى آخره، وقد يعطي غيرهم بحسب ما يراه من المصلحة، وهذا الذي عليه عمل الخلفاء الراشدين، أنهم ما كانوا يقسمون إلى خمسة أقسام، وإنما ذكر الله هذا للتوجيه وبيان وجوه الاستحقاق ولا يجب قسمة ذلك على أقسام متساوية لهذه الجهات، بل قد تكون الحاجة شديدة في مجاعة، أو تجهيز، فيتصرف به الإمام بحسب ما يراه، وهذا هو قول الإمام مالك - رحمه الله - ، وظاهر الآية أنها تقسم على خمسة أقسام، لله وللرسول ولذي القربى إلى آخره، ولم يذكر نسباً محددة في آية الزكاة قال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [سورة التوبة:60] ولهذا يقال لا يجب أن تستوعب هذه الأقسام كلها في الزكاة، فيمكن أن تُصرف إلى صنف واحد، لكن قوله: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى تقسم بهذه الطريقة، فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك يخمس، لكن قول الإمام مالك ومن وافقه كالقرطبي وهو من المالكية بأنه لا يقسم، حملهم إلى هذا القول أنهم قالوا أن الخمس مثل الزكاة إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا أنه ليس المقصود أن الخمس يخمس، هذا الخمس مصارفه: لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، وهذا قول له وجه قوي من النظر.

والغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب.
هو المشهور بل نقل عليه القرطبي الإجماع.
والفيء: ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك.
وقوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط.


هذا يخص منه بالإجماع، ويستثنى ما يتحصل عليه في الحرب فأمر الأسرى للإمام إن شاء قتلهم وإن شاء أخذ الفدية، وإن شاء استرقهم، وغير الأسرى إذا قال الإمام في أثناء المعركة أو قبل المعركة: من قتل قتيلاً فله سلبه ومن أسر أسيراً فله سلبه، فيكون ذلك مستثنىً مع أنه من جملة ما يتحصل عليه من أموال هؤلاء الكفار، فالآية قد تكون ظاهرها العموم كما هنا، ويستثنى منها بعض ما يستثنى مثل ما جاء في قوله - تبارك وتعالى - في حد الزانية المحصنة، وحد الأمة قال: فَإِذَا أُحْصِنَّ [سورة النساء:25] أي: تزوجن، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ هذا تخصيص بالنص، نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ تخصيص لقوله - تبارك وتعالى - : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [سورة النــور:2] الزانية والزاني (ال) للعموم كل زاني وزانية، فخص منها بالنص في القرآن فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، والرقيق إذا زنا يقاس على الأمة، فيكون الحد منصفاً الذي هو الجلد، فقد يستثنى فيخرج بعض أفراد العموم بالنص، أو بالإجماع، أو بالقياس، والإجماع مستند إلى نقل.

قال الله تعالى: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة آل عمران:161] وقوله: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ قال الضحاك عن ابن عباس - ا - : كان رسول الله ﷺ إذا بعث سرية فغنموا خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ. قال: وقوله: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ مفتاح كلام لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ فجعل سهم الله وسهم الرسول ﷺ واحداً.


الأثر عن ابن عباس، كان رسول الله ﷺ إذا بعث سرية فغنموا خمَّس الغنيمة. يعني الأربعة أخماس للمقاتلين، والخمس هو الذي فيه هذه القسمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ أي: لله وللرسول هذا واحد، ولذي القربى هذا خمس، واليتامى لهم الخمس، وهكذا، والذي فهمه الإمام مالك من الآية فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى، ليس لذوي القربى خمس، واليتامى خمس، والمساكين خمس، وابن السبيل خمس، وإنما هذه وجوه في بذل هذا الخمس، كما أنه يمكن أن يبذل في غيرها من المصالح العامة بحسب ما يراه الإمام مثلما رأى عمر أن المؤلفة قلوبهم لا يعطون؛ لأن الله قد أعز دينه، وليس بحاجة إلى استمالة أحد إلى الإسلام من الكبراء والزعماء، فتركه فلو كان ذلك القسم لازماً لما تركه، وهذا أبلغ جواب على الذين يلبسون على الناس، ويقولون: بأن الأحكام تتغير بتغير الزمان، والفتوى تتغير بتغير الزمان، ويقصدون به تبديل شرائع الإسلام، الفتوى تتغير في الأمور الاجتهادية، بحسب ما يعرض للناس من أمور بضوابط، لكن أن تبدل شرائع الإسلام ويحتج بفعل عمر فهذا غير صحيح، هذا ما فهمه بعض أهل العلم من أنه موكول إلى نظر الإمام، قالوا: وعليه عمل الخلفاء الأربعة.

فجعل سهم الله وسهم الرسول ﷺ واحداً. وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن بريدة وقتادة ومغيرة وغير واحد: أن سهم الله ورسوله واحد. ويؤيد هذا ما رواه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال: أتيت النبي ﷺ وهو بوادي القرى، وهو يعرض فرساً فقلت: يا رسول الله ما تقول في الغنيمة؟ فقال: لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش، قلت: فما أحد أولى به من أحد قال: لا، ولا السهم تستخرجه من جنبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم[2].
وروى الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب الكندي أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي ، فتذاكروا حديث رسول الله ﷺ، فقال أبو الدرداء لعبادة: يا عبادة كلمات رسول الله ﷺ في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس.
فقال عبادة: إن رسول الله ﷺ صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم، فلما سلم قام رسول الله ﷺ فتناول وبرة بين أنملته فقال: إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر[3].


إلا نصيبي معكم إلا الخمس نصيب المقاتلين الفارس له سهمان وغيره له سهم واحد، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم يعني: أن النبي ﷺ كان يأخذ منه ويجعل الباقي في الكراع والسلاح.

ولا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة، وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر وجاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي به الله من الهم والغم[4]. هذا حديث حسن عظيم، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه، ولكن روى الإمام أحمد أيضاً وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو - ا - عن رسول الله ﷺ نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول. ورواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن عنبسة ، وقد كان للنبي ﷺ من المغانم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك، كما نص عليه محمد بن سيرين، وعامر الشعبي، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء.
وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس - ا - : أن رسول الله ﷺ تنفَّل سيفه ذا الفقَّار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد[5].

 

يعني الرؤيا التي رآها النبي ﷺ أن بقراً تذبح، ورأى سيفه فيه ثلمه[6]، الرؤيا المعروفة فأولها لهم .

وعن عائشة - ا - قالت: "كانت صفية من الصفي"[7]. رواه أبو داود في سننه.
وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول الله ﷺ وحماية له مسلمهم طاعة لله ولرسوله، وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله ﷺ.


كون القرابة فيه خصوص هؤلاء فقط وهو الراجح، وبه قال الشافعي - رحمه الله - ، والإمام أحمد واختاره كبير المفسرين ابن جرير ويدل على ذلك قول النبي ﷺ: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد[8]، وشبك بين أصابعه، قال: أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد[9]، هذا رد به النبي ﷺ على جبير بن مطعم وعثمان بن عفان ، لما سألوا النبي ﷺ حينما أعطى بني المطلب، وقالوا: نحن وهم شيء واحد، أي: من جهة النسب، فالذين دخلوا في الشعب وحصلت المقاطعة لهم هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب، هم الذين يعطون من الفيء، ويعطون من هذا الخمس من الغنيمة، ومن أهل العلم كالإمام مالك من خص هذا ببني هاشم، وبه قال بعض السلف، وقال علي بن الحسين زين العابدين: هي في بني هاشم خاصة، لكن المشهور خلاف هذا، - والله أعلم -، وكان النبي ﷺ يعطيه لأهل أبيات أربعة، وهم آل علي وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل.

وقوله: وَالْيَتَامَى أي: يتامى المسلمين وَالْمَسَاكِينِ هم المحاويج.


اليتامى كل من مات أبوه وهو صغير دون البلوغ يقال له: يتيم، والناس يتوسعون الآن في هذا فيطلقونه على من مات أبوه ولو كان عمره عشرين أو ثلاثين عاماً، والمقصود باليتامى إذا كانوا فقراء، وإذا كانوا أغنياء فلا يعطون، ومن أهل العلم من خصه بيتامى القرابة، وكان علي بن الحسين - رحمه الله - ، يقول: بأن هذه كلها أصلاً للقرابة لذوي القربى، فيقول لما سئل عن اليتامى والمساكين وابن السبيل قال: يتامانا ومساكينا وابن سبيلنا، وهذا بعيد، والذي عليه عامة أهل العلم لهم قسهم، ولكن اليتامى يتامى المسلمين، والمساكين، فقراء المسلمين وابن السبيل وهو من انقطع في سفره، انتهت نفقته، يعطى ما يكفيه، ولو كان غنياً حتى يرجع إلى أهله.

والمساكين: هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم، وابن السبيل: هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة وليس ما ينفقه في سفره ذلك، سيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات في سورة براءة إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.
وقوله: إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [سورة الأنفال:41] أي: امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزل على رسوله.


قوله: إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ من أهل العلم من يربطه بقوله: وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [سورة الأنفال:40]، اعلموا أن الله مولاكم إن كنتم آمنتم بالله، وهذا فيه بعد، والأحسن ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - ، يعني: إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فارضوا بهذه القسمة، فامتثلوا ما أمركم الله به.

ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس - ا - في حديث وفد عبد القيس: أن رسول الله ﷺ قال لهم: وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله ثم قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم[10] الحديث بطوله.


الإيمان قول وعمل، قول اللسان الإقرار والنطق بالشهادتين، وقول القلب، وعمل القلب واللسان والجوارح، فإخراج الخمس من المغنم من الإيمان، والصلاة من الإيمان لقول الله  : وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ  [سورة البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فقوله ﷺ: هل تدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فهذا كله من الإيمان، وأن تؤدوا الخمس من المغنم إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا، وهذا الأسلوب قد يستعمل للتحضيض والتحريض على امتثال أمر ما، تقول: افعل كذا إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، ولا تفعل كذا إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ولأن مقتضى الإيمان أن تمتثل وتفعل ما أمرك الله به.

فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان وقد بوب البخاري على ذلك في كتاب الإيمان من صحيحه فقال: باب أداء الخمس من الإيمان[11]، ثم أورد حديث ابن عباس - ا - هذا.
وقوله: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة الأنفال:41]، ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر، ويسمى الفرقان لأن الله أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه.
قال علي ابن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس - ا - : يَوْمَ الْفُرْقَانِ يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل. رواه الحاكم، وكذا قال مجاهد ومقسم وعبيد الله بن عبد الله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد: أنه يوم بدر.
  1. رواه البخاري برقم (1983)، كتاب البيوع، باب ما قيل في الصواغ، ومسلم برقم (1979)، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر.
  2. رواه الإمام أحمد (37/371)، برقم (22699)، وقال محققوه: حديث حسن، وقال الشيخ الألباني: هذا إسناد جيد في المتابعات، أبو سلام الأعرج هو ممطور الحبشي الدمشقي، وهو ثقة من رجال مسلم انظر: إرواء الغليل (5/75).
  3. رواه الإمام أحمد في المسند (28/385)، برقم (17154)، وقال محققوه: حديث حسن لغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1972).
  4. رواه أحمد في المسند (37/371)، برقم (22699)، وقال محققوه: حديث حسن.
  5. رواه الترمذي برقم (1561)، كتاب السير عن رسول الله ﷺ، باب في النفل، وأحمد في المسند (4/259)، برقم (2445)، وقال محققوه: إسناده حسن، والبيهقي في السنن الكبرى (7/41)، برقم (13061)، كتاب النكاح، باب لم يكن له إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ولو بنفسه، والحاكم في المستدرك (2/141)، برقم (2588)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، كتاب قسم الفيء.
  6. رواه البخاري برقم (3425)، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ورقم (6629)، كتاب التعبير، باب إذا رأى بقرا تنحر، ومسلم برقم (2272)، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم.
  7. رواه أبو داود برقم (2994)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (13132)، والحاكم في المستدرك (2/140)، برقم (2587)، وقال: على شرط البخاري ومسلم، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2587).
  8. رواه البخاري برقم (2971)، كتاب الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي ﷺ لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر.
  9. رواه أبو داود برقم (2982)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2582).
  10. رواه البخاري برقم (1334)، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم برقم (24)، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله ﷺ وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه.
  11. صحيح البخاري (3/29).