الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِىٓ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِىٓ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ۝ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ [سورة الأنفال:43-44].
قال مجاهد: أراه الله إياهم في منامه قليلاً، وأخبر النبي ﷺ أصحابه بذلك فكان تثبيتاً لهم، وكذا قال إسحاق وغير واحد.
وقوله: وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ أي: لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم، وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ أي: من ذلك بأن أراكهم قليلاً، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي: بما تجنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [سورة غافر:19].
 
وقوله: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً [سورة الأنفال:44] وهذا أيضاً من لطفه تعالى بهم، إذ أراهم إياهم قليلاً في رأي العين، فيجرِّئهم عليهم ويطمعهم فيهم.
قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جانبي: تراهم سبعين قال: لا بل هم مائة، حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه، فقال: كنا ألفاً، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
وقوله: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [سورة الأنفال:44] روى ابن أبي حاتم عن عكرمة: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ الآية قال: حضض بعضهم على بعض، إسناده صحيح.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه في قوله تعالى: لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً [سورة الأنفال:44] أي: ليلقي بينهم الحرب، للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته، ومعنى هذا: أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر، وقلله في عينه ليطمع فيه، وذلك عند المواجهة، فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه، كما قال تعالى: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ [سورة آل عمران:13] وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين، فإن كلا منهما حق وصدق، ولله الحمد والمنة.


أرى الله رسوله ﷺ المشركين بعدد قليل، فأخبر أصحابه بهذا فقويت قلوبهم على مواجهتهم، وحينما تراءى الجمعان كان المسلمون يرون المشركين قلة، وكان المشركون يرون المسلمين قلة، فأغرى الله بعضهم ببعض، وكان ذلك دافعاً ومقوياً لعزائمهم حتى وقع الالتحام، ثم بعد ذلك صار المشركون يرون المسلمين ضعفيهم، فحصل للمشركين الخوف والانكسار والضعف وكان ذلك سبباً لهزيمتهم، وهذا هو الجمع بين قول الله – تبارك وتعالى - وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [سورة الأنفال:44] وقوله - تبارك وتعالى - : يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [سورة آل عمران:13].