قال ابن جريج: قال ابن عباس - ا - في هذه الآية: لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم وإني جار لكم.
فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة نكص على عقبيه، قال: رجع مدبراً، وقال: إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ [سورة الأنفال:48] الآية.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بني مدلج، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فلما اصطف الناس أخذ رسول الله ﷺ قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين، وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبراً هو وشيعته.
فقال الرجل: يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال: إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الأنفال:48] وذلك حين رأى الملائكة.
يذكر بعض أهل السير: أن المشركين لما أرادوا الخروج لاستنقاذ العير، ذكّرهم بعضهم بما بينهم وبين بني بكر من العداوة، فخشوا أن يعرجوا على مكة حينما يخرج هؤلاء منها، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك، فقال: إِنِّي جَارٌ لَّكُمْ وكانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما رأى الملائكة دفعه في صدره ثم انطلق إلى ناحية البحر، وهذه الروايات ليست بتلك من ناحية الثبوت، وقال بعضهم: إن إبليس سار يوم بدر مع المشركين وألقى في قلوبهم إِنِّي جَارٌ لَّكُمْ.
قوله: إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الأنفال:48]، جاء عن كثير من السلف أن إبليس كان كاذباً بقوله هذا، والمقصود أن إبليس لما رأى الملائكة خاف أن يقع به بأس الله ونكاله وبطشه في الدنيا، كما يخاف الكافر أو الفاجر من مغبة فعله، فهذا الخوف لا يستلزم الإيمان.
وقال بعض أهل العلم: إن إبليس خشي أن يكون هذا هو يوم الوقت المعلوم الذي حدده الله له.
قوله – تبارك وتعالى - : وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الأنفال:48] هذه الجملة يحتمل أن تكون من بقية كلام الشيطان، ويحتمل أن تكون من كلام الله .