الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله : وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ۝ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۝ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:47-49]، يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله، وكثرة ذكره، ناهياً لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم بطراً، أي: دفعاً للحق وَرِئَاء النَّاسِ وهو المفاخرة والتكبر عليهم، كما قال أبو جهل لما قيل له: إن العير قد نجا فارجعوا، فقال: لا والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزر ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبداً، فانعكس ذلك عليهم أجمع؛ لأنهم لما وردوا ماء بدر، وردوا به الحِمام، ورُمُوا في أطواء بدر مهانين أذلاء صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي، ولهذا قال: وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي: عالم بما جاءوا به وله، ولهذا جازاهم على ذلك شر الجزاء لهم. قال ابن عباس - ا - ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي في قوله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ [سورة الأنفال:47] قال: هم المشركون الذين قاتلوا رسول الله ﷺ يوم بدر، وقال محمد بن كعب: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [سورة الأنفال:47].


قوله - تبارك وتعالى - : وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[سورة الأنفال:47] البطر: هو التعالي في الأرض بغير الحق، ويدخل فيه ما ذكره الحافظ ابن كثير: أي: "دفعاً للحق" فهو مقتبس من تفسير النبي ﷺ للكبر: بطر الحق وغمط الناس[1]، وقال بعضهم: البطر هو استعمال نعم الله في معاصيه.
قوله: وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنفال:47]، أي: يصدون أنفسهم عن سبيل الله بفعلهم هذا وبكفرهم، فهم صادون معرضون، ويصدون غيرهم؛ لأن "صدَّ" تأتي لازمة وتأتي متعدية، فهي لازمة باعتبار إعراضهم بأنفسهم عن الحق، ومتعدية باعتبار أنهم يصدون غيرهم عن الحق.

  1. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (1/93)، برقم (91).