الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستعينوا به ويتوكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك، فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضاً فيختلفوا فيكون سبباً لتخاذلهم وفشلهم.
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [سورة الأنفال:46] أي: قوتكم وحدّتكم، وما كنتم فيه من الإقبال، وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة الأنفال:46] وقد كان للصحابة في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول ﷺ وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقاً وغرباً في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش، وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، ف وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب.

قوله – تبارك وتعالى -: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة الأنفال:46] الفاء في قوله: فَتَفْشَلُواْ تدل على التعليل والتعقيب، وهذا دليل على أن التنازع سبب محقق للفشل، ولا شك أن التنازع والاختلاف من أعظم أسباب فشل الأمة وهزيمتها في هذا العصر، وبهذا تكون الأمة غير مؤهلة للنصر بل هي إلى العقوبة أقرب، وقد أخبر الله عن المنافقين بقوله: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ [سورة الحشر:14] ، فالذين يعقلون هم الذين يجتمعون وتكون كلمتهم واحدة، ولما قال موسى  لقومه: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [سورة طـه:61] ، أخبر عنهم ربنا بقوله: فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [سورة طـه:62]، فقد أسروا النجوى حتى لا يطلع خصمهم على النزاع الذي بينهم فيقوى طمعه فيهم، فقالوا: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ۝ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى [سورة طـه:63-64]
وقوله – تبارك وتعالى -: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [سورة الأنفال:46]، أي: قوتكم.