الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ [سورة الأنفال:53-54].
يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ [سورة الرعد:11].


قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ ذلك من إهلاكهم بذنوبهم، فما أوقعه الله بهم كان على وجه العدل التام الكامل، فالله لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغروا ما بأنفسهم، فقوله: لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ وقوله: نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ أي: من الأمن، والأرزاق، والاستقرار في الأوطان، من بعث الأنبياء الذين يبينون لهم كلما يحتاجون إليه مما يحصل به هدايتهم وسعادتهم ورشادهم، لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ فكذبوا النبي ﷺ، فكان ذلك سبباً لهلاكهم، تحول أمنهم إلى خوف أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ[سورة العنكبوت:67]، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۝ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [سورة قريش:3-4] فما شكروا هذه النعم، فعاقبهم الله فقتل سادتهم وكبراءهم، وتحولت حياتهم إلى حياة منغصة، تكدر عليهم عيشهم، والنبي ﷺ كان بين أظهرهم، بعثه الله منهم وهذه نعمة عظيمة جداً وشرف لهم، فلم يراعوا هذه النعمة ولم يشكروها فتحول عنهم نبي الله ﷺ وصار إلى الأنصار ، وكانوا أسعد الناس بهذه النعمة، وهكذا كل من أعرض عما هو بصدده عاقبه الله بالاشتغال بضده، واليهود بعث الله لهم موسى ﷺ، وأنزل عليهم التوراة وكتبها بيده فكفروا وأعرضوا، فاشتغلوا بالسحر وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [سورة البقرة:102] والأمثلة على هذا كثيرة.
قوله: لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ أي: يكون التغيير منهم، فتتحول عافية الإنسان إلى بلاء، وهذا أصل كبير في تغيير الأحوال وانعكاس الأمور، وتحول العافية، ونزول ألوان البلايا والمحن والفتن إذا غير الناس، فتتحول النعمة عنهم ويعقبها الأسى والبلاء والشر الذي يحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، والآية الأخرى التي ذكرها قال: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [سورة الرعد:11]، فهذا يشمل حال البلاء، يعني من كانوا يعيشون في بلاء وقحط وفقر، وأمراض ومصائب وحروب وفتن، فإذا رجعوا إلى الله وتابوا وأنابوا درت أرزاقهم واجتمعت كلمتهم وقويت شوكتهم وتحولت أحوالهم إلى أفضل الأحوال، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [سورة الأعراف:96]، إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، فلا يتحول الناس من حال البلاء إلى العافية حتى يغيروا ما بأنفسهم وينيبوا إلى الله ، من كانوا في عافية، فإن ذلك لا يتحول عنهم فيعقبه البلاء والشر حتى يحصل منهم التبديل والارتكاس والتغيير، هذا هو المعنى، وكثير من الناس قد لا يفهم الآية، فهم لا يحملونها على أنه لا يحصل التغيير في النفس والاهتداء حتى يبتدئ الإنسان من نفسه بطلب ذلك؛ لأنه دائماً يستشهد بها على هذا المعنى إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، يقولون: لا يصلح الفرد ولا تصلح المجتمعات حتى يكون التغيير منهم، يقصدون لا يصلح ويستقيم، حتى يكون عندهم إرادة جادة في التغيير، وقد يقول: أدعو لي، فيقولون له: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وهذا غير صحيح - والله أعلم - .