ثم ذكر نعمته عليه بما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار فقال: هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي: جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك ومؤازرتك، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي: لما كان بينهم من العداوة والبغضاء؛ فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، بين الأوس والخزرج، وأمور يلزم منها التسلسل في الشر، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان كما قال تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة آل عمران:103]، وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمَنّ، ولهذا قال تعالى: وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:63] أي: عزيز الجناب فلا يخيب رجاء من توكل عليه، حكيم في أفعاله وأحكامه.
التأليف بين القلوب لا يختص بما كان بين الأوس والخزرج، أو بما حصل من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ لأن الآية أعم من ذلك، فقد صار يجتمع في المدينة الأوسي والخزرجي والقرشي والجهني وغير هؤلاء من قبائل العرب من أنحاء الجزيرة العربية بعدما كانوا طوائف متناحرة.
قوله: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:63].
لا يمكن أن تحصل هذه الألفة والإخاء إلا بالتوحيد والإيمان واتباع الرسول ﷺ ويستحيل جمع الناس على المال والدنيا ولو كان هذا المال ملء الأرض؛ لأن الناس أسرى لعقائدهم وأفكارهم ولا يمكن أن يتخلوا عنها بشيء من المال.