السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم بيّن تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه، فقال تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۝ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: 18-19] أي: قدّر أجله، ورزقه، وعمله، وشقي، أو سعيد."

مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۝ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: 18-19]، يعني: يتكبر، ويتعاظم على أي شيء؟

مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ قدَّر أجله، ورزقه، وعمله، وشقي، أو سعيد، وهذا المعنى صحيح يدل عليه حديث ابن مسعود لما ذكر بعْثَ الملَك إليه إذا كان له أربعة أشهر، فيؤمر بأربع كلمات[1]، فهذا من جملة التقدير، وبعضهم يقول: فَقَدَّرَهُ أي: فسواه، وهيأه لمصالح نفسه، وهذا داخل في جملة التقدير، فخلق له اليدين، والرجلين، والعينين، وما أشبه ذلك، وبعضهم يقول: المقصود بالتقدير خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ يعني: أطواراً، وكل هذا داخل في التقدير، فالله - تبارك وتعالى - أطلق في هذا الموضع، خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، قدّر كل ما يتعلق به، هيئته، وصورته، وأطواره، وأجله، ورزقه، وعمله، وشقي، أو سعيد.

والخلق يأتي بمعنى التقدير كما مضى عند تفسير قوله تعالى: الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر: 24]، الخلق بمعنى الإيجاد، لكن يأتي بمعنى التقدير، فالخالق في سورة الحشر يعني: المقدِّر؛ لأنه ذكر بعده البارئ، فالبارئ هو الموجد من العدم، والمصور أعطاه هيئة، وصورة تليق به، فهذه ثلاثة معانٍ كلها داخلة في الخلق، ولكن لما ذكر الله هذه الأسماء الثلاثة من أجل أن لا يكون ذلك من قبيل التكرار في المعنى صار لكل منها معنى، فالخالق بمعنى المقدر، والبارئ الموجد من العدم، والمصور أعطاه الصورة الظاهرة، والتصوير يأتي بمعنى الخلق، كقوله تعالى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [المائدة:110].

والله يقول: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۝ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار:7-8]، فهذا كله داخل في الخلق.

  1. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (4/111)، رقم: (3208)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (4/2038)، رقم: (2646).