السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
قُتِلَ ٱلْإِنسَٰنُ مَآ أَكْفَرَهُۥ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال - تبارك وتعالى -: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۝ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۝ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۝ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ۝ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ۝ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ۝ كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ۝ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ۝ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ۝ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً ۝ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ۝ وَعِنَباً وَقَضْباً ۝ وَزَيْتُوناً وَنَخْلا ۝ وَحَدَائِقَ غُلْباً ۝ وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ۝ مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ. [عبس: 17-32].

يقول تعالى ذامًّا لمن أنكر البعث، والنشور من بني آدم: قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس: 17] قال الضحاك عن ابن عباس: قُتِلَ الإنْسَانُ لعن الإنسان، وكذا قال أبو مالك، وهذا لجنس الإنسان المكذب؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند، بل بمجرد الاستبعاد، وعدم العلم."

يعني هنا أمران، الأمر الأول: وهو المراد بقوله: قُتِلَ، والأمر الثاني: المراد بالإنسان، فقوله: قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس: 17] نقل عن ابن عباس - ا -: لعن الإنسان.

وظاهر لفظ قُتِلَ أنه دعاء عليه بالقتل، وتفسيره باللعن كأنه تفسير بالمعنى، يعني بمعنى أنه إذا دُعي عليه بمثل هذا فهذا يقتضي طرده، وإبعاده من رحمة الله - تبارك وتعالى -؛ لأن اللعن هو الطرد، والإبعاد من رحمة الله، ففسر بـ "لُعن" باعتبار أن هذا من لازمه، هذا معنى "قُتل".

والإنسان هنا هو جنس الإنسان المكذب بالبعث، وهذا هو اختيار ابن جرير - رحمه الله -. 

وأما الآيات الأخرى كقوله - تبارك وتعالى -: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق: 6]، إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج: 19]، وما أشبه ذلك فهذا في جنس الإنسان، فإذا هُذبت نفسه بالتقوى، والإيمان ارتفع ذلك بحسب ما لابسه من الإيمان، والتقوى، فيحصل له التهذيب بحسب حاله، وإيمانه، لكن جنس الإنسان من طبيعته أنه يطغى إذا حصل له الغنى، جنس الإنسان أنه بهذه الصفة، إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 19-21]، ولهذا قال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: 22].

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 2]، هذا في جنس الإنسان إلا من استثني إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.

"قال ابن جريج مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17] ما أشد كفره.

وقال قتادة: مَا أَكْفَرَهُ ما ألعنه."

"ما" يحتمل أن تكون استفهامية، والمعنى يتغير، ما الذي جعله كذلك وقد أحسن الله إليه؟ ما الذي حمله على ذلك وقد أعطاه الله وأولاه؟ ويحتمل أن تكون تعجبية، يعني: ما أشد كفره، ما أعظم كفره!.