ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه؛ لأن السياق من أوله يذكر خلق الإنسان، فحينما يكون الإنسان نطفة يكون خروجه سهلاً، فالمرأة لا تشعر بخروج النطفة، بل إن ذلك يخرج منها عادة بعد الجماع، وإنما يبقى ما يحصل به تلقيح البويضة، وكذلك لما يكون علقة، لكن حينما يُنشئه الله خلقاً آخر - وقد يكون أكثر من ولد - إذا حان موعد خروجه انقلب بإذن الله، فصار رأسه إلى أسفل، ويتهيأ للخروج، ثم يخرج بعد ذلك بالطريقة التي يسرها الله.
مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: 19]، فجاء بالفاء في التقدير، والفاء للتعقيب المباشر، وفي قوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ جاء بـ "ثم" التي تدل على التعقيب مع التراخي، فالجنين يجلس تسعة أشهر في بطن أمه.
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ كقوله: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10]، وقوله: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً وهذا هو القول الثاني، فالسبيل - تذكر وتؤنث - بمعنى الطريق، طريق الهداية، أو طريق الغواية، بيّن له الخير، والشر، أرسل له الرسل، وأنزل عليه الكتب، فبعدما خلقه، وقدره قال: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ بيّن له طريق الهدى، وطريق الغواية، فهذه بمعنى هداية الإرشاد، وفي بعض المواضع قد يراد بها هداية التوفيق، يعني ما يتصل بخلق الإنسان، وهدايته.