الجمعة 11 / ذو القعدة / 1446 - 09 / مايو 2025
ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُۥ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ [عبس: 22] أي: بعثه بعد موته، ومنه يقال: البعث، والنشور، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الروم: 20]، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً [البقرة: 259].

في الصحيحين من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كل ابن آدم يَبْلى إلا عَجْبُ الذَّنَب، منه خُلق وفيه يُركَّب [1]."

عجبُ الذَّنب معروف هو آخر ما يكون في العمود الفقري، في آخره.

"وقوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس: 23] قال ابن جرير: يقول - جل ثناؤه -: كلا، ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله، لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس:23] يقول: لم يُؤدِ ما فُرض عليه من الفرائض لربه .

والذي يقع لي في معنى ذلك - والله أعلم - أن المعنى: ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ [عبس: 22] أي: بعثه، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس: 23] أي: لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة، ويفرغ القدَر من بني آدم ممن كتب الله أن سيوجدُُ منهم ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كوناً، وقدراً، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق، وأعادهم كما بدأهم."

هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - في قوله: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ يعني: أن الله - تبارك وتعالى - لن يبعثه الآن، ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ بعثه من قبره، لكن يقول: لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب الله أنه سيوجد، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ، لم يحصل، لم يتحقق بعد ما قدّره الله مما سيكون ويقع، فلابد من استتمام ذلك، هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه  الله -، وبعضهم يقول: إن ذلك يرجع إلى الإنسان، وبعضهم يقول: إن ذلك للعموم.

كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس: 23] يعني: فعل الله به هذه النعم، وأولاه، وخلقه، وحباه، وأعطاه، وأكرمه، ولم يفِ بحق الله عليه، ولم يأتِ بالعبودية على الوجه الأكمل، وإنما هو ذو تقصير، هذا إذا حُمل على جنس الإنسان المؤمن، والكافر، وإذا قيل: هذا في الكافر، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ لم يحقق أمر الله، ولم يمتثل لإيمان، فبقي على الكفر، والمعنى الذي ذكره ابن كثير يختلف عن هذا. 

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبأ: 18]: زمرا (6/165)، رقم (4935)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين (4/2270)، رقم (2955).