وَحَدَائِقَ الحدائق هي البساتين التي عليها سور ،أو حائط يحدق بها، قال الحسن، وقتادة: غُلْباً نخل غلاظ كرام، هذا ذكره جماعة من السلف، وأصل هذه المادة يدل على الشدة والغِلَظ، يقال: فلان أغلب الرقبة، يعني: أن رقبته عريضة، فهنا قال: نخل غلاظ كرام، كأنه من قبيل التفسير بالمثال؛ لأن الله قال: وَحَدَائِقَ والحدائق تضم أنواع الأشجار بما فيها النخيل، فهذه النخيل، الغلاظ، الكرام أدل على العظمة، ولا شك أن هذا يعتبر أجود، وأكمل في حال النخل إذا كان الجذع غليظاً، بخلاف الجذع الدقيق، فإن هذا يكون لضعف النخلة غالباً، أما الجذع الغليظ فهذا إذا كانت تُسمد بصورة منتظمة، وتسقى بصورة منتظمة، فإن جذوعها تكون عريضة، هذه كرام النخل.
وقال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل: "غلبا" كل ما التف، واجتمع، وروي عن ابن عباس أنه قال: طوالاً، والله تعالى يقول: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ [ق: 10]، فذكر لها ثلاثة أوصاف، وقال: وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ [الأنعام: 99] يعني: قريبة، لا تحتاج إلى تسلق حتى يجنى منها الثمر، ويبحث عن أحد يصعد، ولربما فسد فيها التمر في أعلاها، والعالية يكون ثمرها أضعف من الدانية؛ لأن الماء لا يصل إليها مثل ما يصل إلى الدانية، فالامتنان بالدانية أعظم، لكن في المقام الآخر في سورة (ق) قال: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ، فلكل مقام مقال، ففي مقام الامتنان على العباد امتن عليهم بالقريبة، يجنونها من غير تعب، الطفل يجنيها وهو جالس، وفي مقام العظمة - عظمة الخلق - ذكر الطوال، فأخرج الله بهذا المطر هذه النخيل التي تراها باسقة طويلة.
ورواية ابن عباس غُلْباً أي طوالاً يكمن أن يجمع بينها وبين كلام أهل العلم، وهي أنها عريضة الأصول طويلة، وهذا أوقع في نفس السامع - والله أعلم -.