"وقوله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [سورة عبس:31]، أما الفاكهة فكل ما يُتفكه به من الثمار، قال ابن عباس: الفاكهة: كل ما أكل رطباً، والأبّ ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس، وفي رواية عنه: هو الحشيش للبهائم.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن إبراهيم التَّيمي قال: سُئِلَ أبو بكر الصديق عن قوله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبّاً فقال: أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم.
فأما ما رواه ابن جرير عن أنس قال: قرأ عمر بن الخطاب عَبَسَ وَتَوَلَّى [سورة عبس:1] فلما أتي على هذه الآية: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا قال: عرفنا ما الفاكهة، فما الأبّ؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف، فهو إسناد صحيح، وقد رواه غير واحد عن أنس به، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله، وجنسه، وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً [سورة عبس:27-31]."
قوله - تبارك وتعالى -: وَفَاكِهَةً الفاكهة معروفة، وأما الأبّ فهنا يقول: ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب، ولا يأكله الناس، وهذا الذي ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله -، وأصل المادة يدل على الرجوع، على العوْد، أصل المادة، تقول: آب يئوب، والأوْب، وما إلى ذلك، كل هذا يرجع إلى معنى الرجوع، فالأبّ يقول في رواية: الحشيش للبهائم، رواية عن ابن عباس، الأول قال: ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب، ولا يأكله الناس، والرواية الأخرى: الحشيش للبهائم، وهما بمعنى واحد، مع أن الضحاك قال ما هو أعم من هذا، قال: كل ما ينبت على وجه الأرض فهو الأبّ، والله قال: مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [سورة عبس:32]، فهذا يُشعر - والله أعلم - أن ما ذكر منه ما يكون للناس، ومنه ما يكون للدواب، والأنعام، فالحدائق، والأعناب، والفواكه، وما إلى ذلك هذا للناس، وأما الأبّ فهو لدوابهم وبهائمهم، - والله تعالى أعلم -، وأما تحرج أبي بكر وكذلك ما جاء عن عمر فهذا كما قال ابن كثير - رحمه الله -: كأنه - يعني عمر - أراد أن يعرف شكله وجنسه، وعينه. يعني: عين النبات، نبات معين اسمه الأبّ، لكن حينما يقال: الأبّ هو نبات، هذا لا إشكال فيه، أو يقال: ما تأكله الدواب، والبهائم، هذا لا إشكال فيه، لكن هل هو نبت بعينه يقال له: الأبّ؟ هذا الذي وقع فيه التحرج، ومثل هذه المرويات عن السلف تارة لكونه لم يبلغه المعنى، لم يظهر له المعنى، وتارة يفعل ذلك تورعاً، يعني ما جاء عنهم من التوقف، أو التحرز في بعض المعاني، أو نحو ذلك يكون على سبيل التورع، يتهيبون، الأصمعي إمام في اللغة، والمفردة التي جاءت في القرآن كان لا يجيب فيها، ويقول: هذا مما جاء في القرآن؛ لشدة تحرزه، مع حذقه وعلمه، وإمامته - والله المستعان -.