"فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [سورة عبس:33-42].
قال ابن عباس: الصَّاخَّةُ اسم من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحَذّره عباده، قال ابن جرير: لعله اسم للنفخة في الصور، وقال البَغَويّ: الصَّاخَّةُ يعني صيحة القيامة؛ سميت بذلك؛ لأنها تَصُخّ الأسماع، أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تُصمّها."
قوله - تبارك وتعالى -: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ "إذا" هذه ما جوابها؟ بعضهم يقول: الجواب محذوف، ولكنه يفهم من قوله - تبارك وتعالى -: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، إذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه؛ لشدة الهول، وعظم المصاب.
يقول: الصَّاخَّةُ قال ابن عباس: اسم من أسماء القيامة، وقال ابن جرير: لعله اسم للنفخة في الصور، فيقال لها: الصاخة باعتبار أن ابن جرير - رحمه الله - يقول: إن الصوت هو الصاخّ، فهذه النفخة صاخة، صخ أذنه يعني: الصوت الشديد، بهذا الاعتبار؛ ولهذا يقول البغوي: الصاخة يعني صيحة يوم القيامة، وهذا بمعنى ما سبق، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أي تبالغ في الإسماع حتى تكاد تصمها، يعني: أنها صوت شديد يصدم الأسماع، فيقال: صخّ هذا الصوتُ الأسماع، صخ الآذانَ لشدة وقعه عليها، كاد أن يصمها، والأذن فيها جزء خلفها يقال له القوقعة لها مثل الخيوط المتدلية، هذه الخيوط إذا جاء الصوت يصدمها فيسمع الإنسان، فإذا جاء ما يصخ سمعه أتلف هذه الخيوط المتدلية، ثم بعد ذلك أتلف السمع، أي الأصوات القوية جداً؛ ولذلك تجد الناس الذين يعملون أحياناً على سماعات أوقاتاً طويلة قد يذهب سمعهم، والسبب أن هذه تتضرر فتتلف، فإذا جاء الصوت لم يعد هناك ما يصطدم به فيترجم عن هذا الصوت فيسمعه.
هذا معروف عند العرب، من شدة الصوت تصخ الآذان، وقد تُذهب السمع بالكلية، وأصلها من الصك الشديد، الصاخة: الصك الشديد، صخّه بكذا.