سورة التكوير إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ تتحدث عن يوم القيامة، وأهواله، وأوجاله، وفي شقها الآخر أقسم الله - تبارك وتعالى - فيها على أن ما جاء به الرسول ﷺ وحي من الله، وأنه حق ثابت، وأنه ليس كما يقولون من أنه مجنون - عليه الصلاة والسلام-، وما إلى ذلك من الأقاويل الباطلة التي ينسبونها لرسول الله ﷺ، أو لهذا الوحي، وهذا - والله أعلم - لا يخرج عن موضوع السورة الذي ذكره الله في صدرها من الحديث عن اليوم الآخر، فلما ذكر لهم طرفاً من مشاهد اليوم الآخر أخبر أن هذا أمر حق، وأنه ليس بالتخرصات، والأباطيل، إنما هو قول رسول كريم جاء به من عند الله - تبارك وتعالى -، وليس ذلك من قبيل الاختلاق، والافتراء، والكذب على الله ، ولهذا قال بعده: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [سورة التكوير:28].
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [سورة التكوير:1-14].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ يعني: أظلمت، وقال العوفي عنه: ذهبت، وقال قتادة: ذهب ضوءها، وقال سعيد بن جبير: كُوِّرَتْ غُوِّرت.
وقال أبو صالح: كُوِّرَتْ ألقيت.
والتكوير جَمعُ الشيء بعضه إلى بعض، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله تعالى: كُوِّرَتْ جُمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها.
روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: الشمس، والقمر يكوران يوم القيامة[2]، انفرد به البخاري، وهذا لفظه."
قوله - تبارك وتعالى -: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ هذه العبارات عن السلف: أظلمت، ذهبت، ذهب ضوءها، غُورت، كل ذلك يرجع إلى معنى واحد، وهو أثر، ونتيجة للمعنى الآخر الذي ذكروه، قال: والتكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض، هذا أصله، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فيكون المعنى: جُمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها، يعني أن التكوير: أن يُجمع بعضها إلى بعض، فبهذا تكون غوّرت، صارت مظلمة، ذهب ضوءها، انطفأ نورها، كل هذه المعاني نتيجة لكونها لفت، وجمع بعضها إلى بعض.
وهنا جاء عن أبي صالح قال: ألقيت، كُوِّرَتْ يعني: ألقيت، وجاء عن الربيع: رُمي بها، قال: كورتُه فتكور يعني: سقط، كل هذه المعاني تحصل للشمس، تُكور، يضم بعضها إلى بعض، فينطفئ نورها، ويلقى بها في النار كما أخبر النبي ﷺ، هناك من الناس من عبد الشمس، والله قال: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [سورة الأنبياء:98]، فتلقى هذه الشمس في النار، وفي الحديث: الشمس، والقمر يكوران يوم القيامة، وما ذكره هنا قال: جُمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل.. هنا جمع بين المعاني، والأقوال التي ذكرها السلف، وهذا عزاه الواحدي للمفسرين، واختاره ابن جرير، وذكر ابن جرير أن المعاني الأخرى لا تنافيه، فكأنها نتيجة، وأثر لهذا التكوير.
وهو نفس المعنى الذي ذكره ابن كثير.
- رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة إذا الشمس كورت، برقم (3333)، وأحمد في المسند، برقم (4806)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6293).
- رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، برقم (3200).