الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير: 17] فيه قولان:

أحدهما: إقباله بظلامه، قال مجاهد: أظلم، وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ، وقال الحسن البصري: إذا غَشي الناس، وكذا قال عطية العوفي.

وقال علي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس: إِذَا عَسْعَسَ إذا أدبر، وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، وكذا قال زيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن: إِذَا عَسْعَسَ أي: إذا ذهب فتولى.

وعندي أن المراد بقوله: عَسْعَسَ إذا أقبل، وإن كان يصح استعماله في الإدبار، لكن الإقبال هاهنا أنسب؛ كأنه أقسم تعالى بالليل وظلامه إذا أقبل، وبالفجر وضيائه إذا أشرق، كما قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل: 1، 2]، وقال: وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: 1، 2]، وقال فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام: 96]، وغير ذلك من الآيات.

وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة "عسعس" تستعمل في الإقبال، والإدبار على وجه الاشتراك، فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما - والله أعلم -."

وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، لفظ "عسعس" مشترك يحمل معنيين متضادين، الأول: أقبل، والثاني: أدبر، وهذا سبب الاختلاف بين المفسرين من السلف فمن بعدهم، وهذا المعنى - أقبل، وأدبر - كل واحد منها يشهد له القرآن، أقبل: يشهد له وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل: 1]، بظلامه وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: 2] يعني: أرخى سدوله، وأدبر: وَاللَّيْلِ إِذْ أدْبَرَ

فأقسم الله بالليل في حال إقباله، وفي حال إدباره؛ لأنهما مظهران تتجلى بهما عظمة الله، وقدرته، وهذا الذي جوزه ابن كثير، قال: "وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة "عسعس" تستعمل في الإقبال، والإدبار، فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما".

الذين قالوا: إن معنى عَسْعَسَ: أقبل، قالوا: أقسم الله بالصبح في حال ابتدائه في قوله: وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير: 18]، فناسب أن يكون الإقسام بالليل في حال ابتدائه، فيكون الإقسام بالليل وبالنهار كليهما، وهذا هو الذي يشير إليه ابن كثير - رحمه الله -.

وابن جرير - رحمه الله - يرجح أن المقصود به: أدبر، والقرينة عنده الترتيب الطبيعي، وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ بمعنى: أدبر، ويعقبه مباشرة تنفس الصباح.

ولو قيل: أقسم الله بالليل في حال إقباله، وبالليل في حال إدباره لم يكن ذلك بعيداً، ويكون اللفظ مشتركاً، وكل واحد من المعنيين جاء في القرآن القسم به صراحة؛ لأن ذلك كله مما تتجلى به عظمة الله .

المبرِّد يقول: كل ذلك يرجع إلى شيء واحد، وهو: ابتداء الظلام في أوله، وإدباره في آخره، يعني: حمله على المعنيين.

بينما الفرَّاء ينقل إجماع المفسرين على أن معنى عسعس: أدبر، وهذا الإجماع غير صحيح كما ترون.