"وقوله: وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ قال عكرمة، ومجاهد: عشار الإبل، قال مجاهد: عُطِّلَت تُركت، وسُُيّبت.
وقال أبي بن كعب، والضحاك: أهملها أهلها، وقال الربيع بن خُثَيم: لم تحلب، ولم تُصَرّ، تخلى منها أربابها.
وقال الضحاك: تركت لا راعي لها.
والمعنى في هذا كله متقارب، والمقصود: أن العشار من الإبل - وهي: خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر، واحدتها عُشَراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع - قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعدما كانوا أرغب شيء فيها، بما دَهَمهم من الأمر العظيم المُفظع الهائل، وهو أمر القيامة، وانعقاد أسبابها، ووقوع مقدماتها."
يعني العشار جمع، والواحدة منه يقال لها: عُشراء، فهذه التي قد استتم لها عشرة أشهر في حملها، يعني هي قريبة الولادة، وهذه أنفس الأموال عند العرب، وأصحابها يُعنون بها غاية العناية، بل إن بعضهم يقدمها، ويفضلها على ولده، ويقدم إطعامها، والنفقة عليها على طعام أولاده، ويسميها، ويحصل له من المؤانسة لها، والمخالطة أعظم مما يحصل مع أولاده، حتى تألفه، ولربما دعاها فأجابته؛ لكثرة مخالطته لها تعرفه من بين الناس، وأهل الإبل يعرفون هذا جيداً، ولها عندهم من المنزلة، والمكانة ما لا يُقادَر قدره، حتى إن بعضهم يأبى كل الإباء أن يبيع شيئاً منها، وبعضهم يأبى كل الإباء أن ترحل في سيارة، أو نحو ذلك، فيمشي على قدميه معها مئات الكيلومترات؛ لأنه يرى أن حملها، ورفعها ووضعها في نقالة أن هذا نقيصة في حقها وإزراء بها، هذا كله واقع وموجود، تجد الرجل الكبير يمشي معها مئات الكيلو مترات حتى ينقلها إلى المكان الآخر، فلربما ركبته الديون، وكثرت المطالبات وعنده هذه الإبل التي يمكن أن تباع بالملايين ويأبى أن يبيع واحدة منها، لا يمكن أن يفرط بها، يرى أن نفسه أرخص منها بكثير، هذا واقع، ومن سأل أصحاب الإبل يخبرونه من هذا بعجائب، فهذه كلها تترك، ولا يلتفت الناس إليها، فكيف بالأشياء الأخرى من المزارع والسيارات، أو الناطحات، أو غير ذلك؟! الناس يشتغلون، والله خاطب العرب بما يعهدون، بما هو في بيئتهم، الإبل عندهم هي أنفس الأموال، فيمكن أن تقول: يتركون نفائس ما يملكون، وينشغلون بما رأوا من الأهوال، والأوجال، فيشغلهم ذلك عما سواه، إذا كان الإنسان يترك أعظم الأشياء وأنفس الأشياء عنده فما دونه من باب أولى، فينبغي أن يشتغل لذلك اليوم، لا أن يشتغل عنه، وأن يستعد المرء حتى يكون آمناً يوم القيامة - والله المستعان -.