"وقوله تعالى: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ أي: لهم يوم القيامة مَنزلٌ، ونزل سجين، ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم، وخالقهم.
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه يومئذ."
كلا ما الأمر كما يقولون من أن لهم منزلة عند الله كما يقول ابن جرير - رحمه الله -، بل هم على خلاف ذلك كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، فلما حجب هؤلاء من أهل الغضب، والكفر دل ذلك بمفهوم المخالفة على أن أهل الرضا يرونه فلو كان الجميع يحجب عن رؤيته - تبارك وتعالى - لما كان لتخصيص هؤلاء وجه - والله أعلم -، ومن هنا استنبط الشافعي - رحمه الله - من هذا الموضع أن المؤمنين يرون ربهم، فهذا بدلالة المفهوم، وجاء بدلالة المنطوق بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [سورة القيامة:22-23]، فهذا بدلالة المنطوق فالرؤيا لله ثابتة بدلالة المنطوق، وبدلالة المفهوم.
وبعض أهل العلم يقولون: لمحجوبون يعني عن كرامته عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ محجوبون عن ماذا؟
ابن جرير يقول: أخذًا من عموم المقتضى هو ما صرح بالتعليل لكن هذا من حيث القاعدة الأصولية، وهي أن: "المقتضى له عموم" يعني المحذوف المقدر يحمل على أعم معانيه، فهنا محجوبون عن رؤيته، محجوبون عن كرامته كل ذلك داخل فيه فابن جرير يحمله على ذلك جميعًا عن رؤيته، وعن كرامته، ومثل هذا لا إشكال فيه المهم إثبات الرؤية لأهل الإيمان، وأن الكفار لا يرونه - تبارك وتعالى -، وأهل السنة يوردون هذا من أدلة رؤية المؤمنين لربهم - تبارك وتعالى -، ويكون ذلك أيضًا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن حينما يذكر معه وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ فضلاً عن النصوص الواردة الصريحة: إنكم سترون ربكم...[1] إلى آخره، ومسألة الرؤية متواترة.
فهذا من جملة ما يعاقبهم به.
وسيأتي هناك ينظرون إلى وجه الله وهو أعظم النعيم، ينظرون إلى هذا النعيم الذي في الجنة، يتمتعون برؤيته كل ذلك.
يعني لو لم يره المؤمنون لكانوا في هذا مع الكفار سواء يعني حجبوا عن رؤيته
- رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم (554).
- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/32).
- المصدر السابق (1/32).
- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص:292).
- المصدر السابق (ص:292).