بمعنى أن النعيم يظهر على وجه الإنسان كما أن البؤس، والفقر، وشظف العيش يظهر على وجهه؛ ولذلك قال الله عن فقراء المهاجرين: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [سورة البقرة:273] وذكرنا هناك قول من قال كابن جرير: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ أي: ما يظهر عليهم من شحوب الوجه، الفقراء الذين لا يجدون كفايتهم أولئك الذين يجهدون، ويكدحون في طلب الأوقات يظهر ذلك على وجوههم، ويظهر على هيأتهم، وعلى لباسهم، يظهر عليهم الشحوب، فمن رآه عرف أنه فقير، ولم يسأل، يكون متعففًا، فهكذا أهل النعيم، والترف يظهر ذلك في وجوههم فإذا رأيته عرفت أنه غني من تقاسيم وجهه، ومما يظهر عليه من النعمة، والنعيم فلا شك أن هذه الأمور تؤثر في الإنسان، ولذلك انظروا أحيانًا تجد بعض العمال، أو الخدم في البيوت حينما يسافر إلى بلده في إجازة يجلس شهرين، أو نحو ذلك في بلد فقر شديد يرجع بحال غير التي ذهب بها، يظهر عليه أثر شظف العيش، والمعاناة، والفقر فهذه أمور تظهر على الإنسان، الإنسان الذي يكابد لقمة العيش، ويعمل كل يوم، ويذهب صباح مساء، وفي الشمس إلى آخره يظهر عليه، ولذلك يستغرب الناس أحيانًا حينما يعلمون، ويكتشفون أن فلانًا يملك أموالاً طائلة، وهم يظنونه حينما يرونه من أفقر الناس؛ لكون هذا الإنسان يزاول أعمالاً وإلى آخره مما يزاوله الفقراء، ويشح بهذا المال ولا ينفق منه على نفسه، ولا عياله، فلا يظهر عليه سيما الغنى، والنعيم؛ لأنه لم يتنعم بهذا المال، وإنما كان حارسًا فقط عليه، فالشاهد أنهم يتعجبون؛ لأنهم لا يرون سيما ذلك عليه، ما يظهر الأثر الهيئة هيئة فقير، وهذا شيء مشاهد يأتي أحيانًا بعض الناس تظن أنه يطلب صدقة، ثم تكتشف أنه يريد أن يسأل عن قضية، أو يسأل عن حساب عند الصرافة، وهو لا يعرف كيف يستعمل البطاقة، ويظن أن السحب أن معرفة الرقم الذي في الحساب يعني الرصيد المالي له يظن أنه لا بدّ أن يسحب مبلغًا فيقول: اسحب لي مائة ريال ببطاقته هو وأنت تظن أنه يسأل عند الصرافة، ثم يخرج الرقم - نسأل الله أن يبارك للجميع، ويزيد الجميع من فضله - لا تستطيع أن تقرأه، وهذا حصل، قيل لهذا الإنسان عفوًا الرقم ما نعرف نقرأه أنت تريد مائة؟ قال: لا أنا أريد فقط أعرف الرقم هذا يخرج لك الرصيد بدون ما تسحب مائة، والذي ينظر إلى هيئته كأنه خرج من قبر يبدو يعمل في كسارة، أو شيء من هذا القبيل، يعني عنده كسارة، وجالس مع العمال هذا يحصل وموجود - والله المستعان -.
هذه لأهل الجنة، أهل الجنة الذين أكثر الناس أمراضًا في الدنيا، ففي الجنة شيء آخر نضرة النعيم، أفقر الناس، أبأس الناس نضرة النعيم يذهب الذي في الدنيا هذا كله البؤس، والشحوب، والتعب، والمعاناة والأمراض، والأوجاع، والعلل، والسرطانات والوباء الكبدي وإلى آخره كل هذا يذهب، نَضْرَةَ النَّعِيمِ للجميع تراهم في صور في غاية البهاء كما يقول بعض المفسرين وجهه يتلألأ، فهذا في الجنة هذا الذي يحتاج إلى عمل أكثر أهل الجنة الضعفاء، المساكين، الفقراء، ضعفاء الناس، هؤلاء هم أكثر أهل الجنة، القضية لا تحتاج إلى وقت وجهد حتى يأكل، ويشرب من الجنة يحتاج لشهور حتى يظهر عليه أثر هذا لا لا، هذا كله ينتهي بأقل من لحظة، أبأس أهل الدنيا يغمس في الجنة غمسة واحدة ثم يخرج يقال له: هل رأيت بؤسًا قط هل مر بك بؤس قط؟ يقول: لا والله، ويحلف ما مر بي بؤس قط، تخيل أبأس إنسان يعني مليء بالأمراض مليء بالهموم مليء بالمشاكل مليء بالفقر، أبأس إنسان المصائب تطوف به من كل ناحية غمسة واحدة فقط فكيف إذا بقي في النعيم أبد الآبد، يقول: لا والله ما رأيت بؤسًا قط، وأنعم واحد تخيل من بعد آدم ﷺ إلى قيام الساعة، يكون ساكن في ذهب، وحمامه - أعزكم الله - من ذهب وما بقي إلا يأكل ذهب أنعم إنسان مركب ذهب لا يتنزه للفضة، يغمس غمسة واحدة في النار ويقال له: هل مر بك نعيم قط؟ يقول: لا والله يا رب ما مر بي نعيم قط.
فالدار التي تستحق الجد والاجتهاد والعمل وإخلاص النية هي الدار الآخرة، أما هذه فلا تكترث، إن جاء مرض، إن جاء تعب، إن جاء مصيبة، إن جاء غم هذا مثل الحر، والرطوبة، والصيف اليوم رطوبة، وغدًا الجو أبرد، وبعده هو متاع قليل ثم يمضي على الجميع ولكن هناك الناس يصيرون إلى ماذا؟