الأحد 25 / ذو الحجة / 1446 - 22 / يونيو 2025
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ أي: ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم، أي:من شراب يقال له تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه، قاله أبو صالح، والضحاك؛ ولهذا قال: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ أي: يشربها المقربون صِرْفًا، وتُمزَجُ لأصحاب اليمين مَزجًا، قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، وقتادة، وغيرهم."

تَسْنِيمٍ قال: هو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه، قال أعلاه؛ لأن أصل التسنيم في اللغة أصل هذه المادة يدل على الارتفاع والعلو، ولهذا يقال لسنام البعير؛ لأنه أرفع شيء فيه، وقال النبي ﷺ-: وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله[1]، فالشيء الرفيع الشيء العالي يعني هو مأخوذ من العلو، والارتفاع، هذا التسنيم مزاجه من تسنيم عين ماء تجري من أعلى إلى أسفل أعلى الجنة، وبنحو هذا يقول ابن جرير- رحمه الله - هذا الذي قال الله عنه: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ يعني أن هذا الخمر مخلوط بالتسنيم، وهذا التسنيم هو عين في أعلى الجنّة يشرب بها المقربون هي شرابهم صرفًا لا يخلط، ولا يمزج بشيء، ويمزج منها خمر أهل الجنّة، أما من دون المقربين فإنه يمزج لهم في شرابهم من التسنيم يقول: وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا فالمقربون أعلى مرتبة، فيشربون منها صرفًا بلا خلط، ومن دونهم يشربون ذلك مخلوطًا بغيره.

"يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ۝ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ أخبر تعالى أن كتابهم مرقوم تحقيقًا لكونه مكتوبًا كتابة حقيقية، وخاص على كتاب الأبرار بأنه يكتب، ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة، والنبيين"[2]."

لاحظ فما جعله اسمًا للكتاب، وإنما كتاب الأبرار يعني ما يكتب لهم يحكم لهم به من السعادة يشهده الملائكة، يشهدون هذه الكتابة.

"وقال -رحمه الله-: "بمشهد المقربين من الملائكة، والنبيين، وسادات المؤمنين، ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار تنويهًا بكتاب الأبرار، وما وقع لهم به، وإشهارًا له، وإظهارًا بين خواص خلقه، كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء، وخواص أهل المملكة، تنويهًا باسم المكتوب له، وإشادة بذكره، وهذا نوع من صلاة الله - - وملائكته على عبده"[3].

فهؤلاء المقربون المقتصدون، وأخبر أن المقربين يشهدون كتابهم أن يكتبوا بحضرتهم، ومشهدهم لا يغيبون عنه، اعتناء به، وإظهارًا لكرامة صحابه، ومنزلته عند ربه"[4].

قال ابن عباس وغيره يشرب بها المقربون صرفًا، ويمزج لأصحاب اليمين مزجًا، وهذا لأن الجزاء وفاق العمل، فكما خلصت أعمال المقربين كلها لله خلص شرابهم، وكما مزج الأبرار الطاعات بالمباحات مزج لهم شرابهم، فمن أخلص أخلص شرابه ومن مزج مزج شرابه"[5]

 

فهذه من اللفتات الجميلة في التدبر التي يرفع الناس إليها أبصارهم، هذا النوع الراقي الذي أشرت إليه في الكلام على التدبر في المجلس الأول. 

  1. رواه الترمذي، أبواب الإيمان عن رسول اللهﷺ، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616)، وابن ماجه، أبواب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم (3973)، وأحمد في المسند، برقم (22016)، وقال محققوه: "صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد منقطع"، وصححه الألباني في إرواء الغليل، (2/138)، برقم (413)، وفي صحيح الجامع، برقم (5136 - 1643).
  2. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص:70).
  3. المصدر السابق (ص:70).
  4. طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص:194).
  5. المصدر السابق (ص:194).