"وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّون أي: لكونهم على غير دينهم، قال الله تعالى: وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين أي: وما بُعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم، وأقوالهم، ولا كلفوا بهم؟ فلم اشتغلوا بهم، وجعلوهم نصب أعينهم، كما قال تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [سورة المؤمنون:108-111].
ولهذا قال هاهنا: فَالْيَوْمَ يعني: يوم القيامة الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ أي: في مقابلة ما ضحك بهم أولئك."
قوله - تبارك وتعالى -: وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين أي: يحفظون أعمالهم، ومن ثم يشتغلون بغير ما كلفوا به، من قولهم بأن هؤلاء على ضلال كما قال الله - تبارك وتعالى - في هذه: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا اتخذتم الاتخاذ أخص من مطلق الفعل يعني الاتخاذ يدل على مزيد عناية بهذا الشيء المتخذ، تقول: اتخذت فلانًا جليسًا اتخذت الكتاب جليسًا، اتخذت المسجد مجلسًا، وما أشبه ذلك، وهو يدل على اتخذتموهم يعني جعلوا هذا ديدنهم هذا الذي اشتغلوا به سخريًا حتى أنسوكم ذكري، اشتغلتم بهم، وأعرضتم عما أمرتم به من الإيمان، والعمل الصالح، فهذا الاشتغال بهؤلاء حيث صوبتم النظر والفكر إليهم فلم يعد لكم اهتمام، واشتغال إلا بهؤلاء من أهل الإيمان تسخرون منهم، وتستهزؤون بهم، وتصدرون هذه الأحكام عليهم بالضلالة، حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي [سورة المؤمنون:110] ذكر الله - تبارك وتعالى - أنسوهم عبادته، أنسوهم كلامه وكتابه الذي أنزله عليهم يأمرهم به، وينهاهم، فلم يذكروا الله - تبارك وتعالى -، وأعرضوا عن كتابه لم يذكروا ربهم بألسنتهم، ولا بقلوبهم، ولا بجوارحهم.
وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ هذا قابله الله بما ذكر بعده، وهنا في هذه الآيات سورة المطففين: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ.
وشتان بين من كان يضحك في الدنيا ومن يضحك في الآخرة، ورجوع أولئك إلى أهلهم أعني أهل الإجرام فكهين، وفاكهين انظر كيف قابله هنا بقوله: عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ، فأهل الإيمان يضحكون منهم، وهم على أرائك الجنة، وأولئك في دركات الجحيم.