السبت 29 / جمادى الآخرة / 1447 - 20 / ديسمبر 2025
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ [سورة الإنشقاق:20-21] أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله، ورسوله، واليوم الآخر؟ ومالهم إذا قرئت عليهم آيات الله، وكلامه، وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظامًا، وإكرامًا، واحترامًا؟"

هذا السجود الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: لا يسجدون إعظامًا، وإكرامًا، واحترامًا، فظاهر كلامه أن المقصود بهذا السجود، السجود الحقيقي، إعظامًا لهذا القرآن، واحترامًا، وإكرامًا يعني السجود على الأرض، وهذا أصل معناه في الشرع، وضع الجبهة على الأرض، وقد يستعمل في معنى الركوع، كما في قوله - تبارك وتعالى -: وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا [سورة الأعراف:161] يعني: رُكّعًا، أمرهم أن يدخلوا في حال الانحناء تعظيمًا، وتواضعًا، وإخباتًا لله - تبارك وتعالى -، والسياق هو الذي يبين ذلك، فهؤلاء كفار يَنعَى عليهم ربنا - تبارك وتعالى - عدم الإيمان، وترك السجود عند سماع القرآن، فهذا المعنى السجود الحقيقي هو الذي حمله عليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وبعض السلف كالحسن، وعطاء، ومقاتل حملوا ذلك على الصلاة، لا يسجدون يعني لا يصلون، والصلاة قد يعبر عنها بأحد أركانها، من ذلك قوله - تبارك وتعالى -: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [سورة الإسراء:78]، والمقصود به الصلاة صلاة الفجر، ولما كانت القراءة مقصودة في صلاة الفجر وأن يطول فيها ويجهر عبر عنها بذلك، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [سورة آل عمران:43] المعنى أنها تصلي، وليس المقصود أنها تصلي مع الجماعة، إنما تكون في جملة المصلين، ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [سورة الحج:77] أمرٌ لهم بالصلاة التي هذه من أركانها، فحمله بعضهم هنا على الصلاة، لكن هذا - والله أعلم - لا يخلو من بعد؛ لأنه قرنه هنا بقراءة القرآن وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ، هل معنى ذلك أنهم لا يصلون؟ وهل إذا قرئ عليهم القرآن يكون ذلك مطالبة لهم بالصلاة؟ هم مطالبون بالإيمان قبل كل شيء، قبل الصلاة، ولهذا فسره بعضهم بالخضوع؛ لأن هؤلاء ليسوا بأهل صلاة، ولا تقبل، ولا تصح منهم إلا بالإيمان، ففُسر بالخضوع، والسجود قد يعبر به عن الخضوع، وطوائف من أهل العلم يفسرون سجود الظلال، أو سجود الأشياء لله - تبارك وتعالى - يعني ما لا يعقل بعضهم يفسره بالخضوع، يقولون: الخضوع، والاستكانة، وهذا الذي اختاره ابن جرير، لا يخضعون لبراهينه، وحججه، ودلائله الدالة على صدقه، وبعضهم يقول: المقصود بذلك سجود التلاوة، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ، وابن كثير مشى على هذا، والآية - والله أعلم - يدور المعنى فيها بينهما، يعني القول بأن المراد يصلون فيه بُعد، فإما أن يكون المراد بالسجود الخضوع، وإما أن يكون المراد به السجود الذي يكون للتلاوة تعظيمًا لهذا القرآن، وهذا السجود الذي يكون للتلاوة يتضمن الخضوع؛ فإن هذا الذي يسجد يتواضع ويخضع لربه - تبارك وتعالى -، وهم لا يفعلون هذا ولا هذا، لا يحصل منهم لا السجود، ولا الخضوع، بل لا تزيدهم آيات القرآن المنزلة إلا رجسًا على رجسهم كما أخبر الله - تبارك وتعالى - عنهم.