قوله: يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن هذا معنى عام، أي: يكيدون لإبطال القرآن، ولتكذيبه، ولصد الناس عنه، يكيدون للإسلام، يكيدون للمسلمين، فهم يفعلون كل ما من شأنه إضعاف هذا الدين، وإضعاف أهله، فيمكرون بكل مستطاع.
قوله: يَكِيدُونَ كَيْدًا الكيد: يكون بكل ما يكون من المزاولات، والأفعال التي يتوصل بها إلى إلحاق الأذى، والضرر بطرق مختلفة متنوعة قد تخفى، قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا، فهؤلاء يمكرون، ويكيدون، ويخططون، ويتآمرون، ويفعلون كل ما استطاعوا من أجل القضاء على هذا الدين، أو من أجل إضعافه، أو من أجل الكيد بأتباعه، ويقابل هذا الكيد ليس كيد أهل الإيمان، ما قال: إنهم يكيدون كيدًا، وتكيدون كيدًا، إنما قال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا، فالذي يقابل كيد هؤلاء الكُبَّار كما قال الله : وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46]، فهو مكر كبير، وقال: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا [نوح:22]، فهذا المكر نُكّر هنا، فهو مكر عظيم، ومكر الله أعظم، وأفعل التفضيل ليس على بابه، فالمقصود: أن الذي يقابل مكر هؤلاء هو: مكر الله - تبارك وتعالى -، وليس مكر أهل الإيمان، والذي يقابل كيدهم هو: كيد الله، فهل يعلم الكائدون لهذا الدين، ولأهله أنهم إنما يقابلون، ويواجهون كيد الله ومكره؟ وهل يطيقون هذا؟ لو حبس عنهم النفس فقط لصاروا كذر ألقيته على صاج محماة بلحظة، فهذا الذي يكيد لدين الله ولأوليائه إنما يضر نفسه، كما قال الله : وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام:123]، فمكرهم في الواقع إنما هو بأنفسهم، والله كما قال: يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38]، فمن كان يدافع عنه ربه - تبارك وتعالى - فكيف يضره كيد العبيد؟ وأما حقيقة هذا الكيد، وأثره فلا شيء، كما قال الله : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:32]، فنور الله لا يمكن لمخلوق أن يطفئه، وبماذا؟ بفيه، وماذا عسى أن يفعل فوه؟ وما أثره حتى يطفئ نور الله؟ فلو أن هذه الأفواه للخلائق من أولهم إلى آخرهم وقفوا في صعيد واحد ينفخون على مخلوق وهو الشمس لمَا تحرك لها وهج، فضلاً عن أن تنطفئ، ما تحرك وهج، لو جلسوا ينفخون من أولهم إلى آخرهم حتى تنقطع أنفساهم ما يتحرك لها وهج فقط حركة، ولا يتأثر، ولا يصل إليها، ولا إلى قريب منها، وهذا مخلوق، فكيف بنور الله - تبارك وتعالى -؟! قال الله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، فهذا حُكمٌ حَكَم الله به لابدّ أن يتحقق، لكن المسكين كل المسكين هو من كان في الجهة المقابلة، من جند إبليس وحزبه، فهذا يجني على نفسه، ويسعى في هلكته - والله المستعان -.