الجمعة 23 / ذو الحجة / 1446 - 20 / يونيو 2025
إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ أي: كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات، كما قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]."

هذا جواب القسم: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، أقسم قسمين على هذه القضية: أن كل نفس عليها حافظ، وهذه الآية فيها قراءتان متواترتان كل قراءة لها معنى، ونحن عرفنا أن القراءتين إن كان لكلٍّ معنى فهما بمنزلة الآيتين.

القراءة الأولى: وهي هذه التي نقرأ بها: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، لَمَّا بالتشديد، فهذه قراءة عاصم، وبها أيضاً قرأ ابن عامر وحمزة، فعلى هذه القراءة بالتشديد لَمَّا تكون إِنْ نافية، بمعنى: ما، أي: ليست المخففة من الثقيلة، وإنما هي نافية بمعنى: ما، يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ، وتكون لَمَّا للاستثناء، بمعنى: إلا، أي: ما كل نفس إلا عليها حافظ، يعني كأنك تقول: ما من نفس إلا عليها حافظ، فهذه القراءة الأولى.

القراءة الثانية: وهي قراءة الجمهور بالتخفيف: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ، يعني: أن الشأن كل نفس لعليها حافظ، فتكون إِنْ هنا على هذه القراءة مخففة من الثقيلة، وعلى الأولى نافية، ومع إِن النافية تكون اللام في لَمَا فارقة، ومَا يقولون: مزيدة للتوكيد، يعني: كل نفس عليها حافظ.

في قوله - تبارك وتعالى -: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ أي: حافظ يحفظ هذه النفس، ما المراد به؟ هل حافظ يحفظ الأعمال أو يحفظ هذا الإنسان؟ ابن كثير هنا أورد هذه الآية: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وقد مضى الكلام على هذه الآية، وأن هؤلاء الملائكة يحفظون الإنسان حتى إذا جاء القدر خُلي عنه، يعني: يحفظونه من الشياطين أن تتخطفه، يحفظونه من العوارض، والأخطار، والآفات حتى يأتي قدر الله النافذ إلى هذا الإنسان، فيُخلّى عنه عندئذ، فابن كثير - رحمه الله - فسرها بهذا؛ لذلك ذكر هذه الآية: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني: أن حفظهم ناتج أو صادر عن أمر الله لهم، أمرهم الله بذلك، لكن ابن جرير - رحمه الله - يحمل ذلك على حفظ الأعمال، فقوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ يعني: يحفظ ما يصدر عنه من عمل، ويحصي ذلك عليه، فقد وكل الله الملائكة الكرام الكاتبين، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۝ كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11]، فيفسر الحافظ بهذا، وكما قال الله : وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: 61]، فهذا الذي مشى عليه ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إن الله - تبارك وتعالى - هو الحافظ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، أخذًا من أن الله هو المطلع على أحوال العباد، شهيد على أعمالهم، وهو الذي يحفظهم، ويكلؤهم، بهذا الاعتبار.