قوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ يعني: من فعل فعلهم فإن عقوبتهم قد تنزل به، فليس ذلك بمختص بهم، كما قال الله - تبارك وتعالى - لما ذكر عقوبة قوم لوط: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83]، والحسن، وعكرمة يقولون: لَبِالْمِرْصَادِ يعني: عليه طريق العباد، لا يفوته أحد منهم؛ لأن الأصل أن الذي يكون بالرصَد ويرصد ونحو ذلك يكون على مدرجة الناس، وعلى طريقهم، وعلى ممرهم، وعلى مسالكهم، فيأخذهم، وتقول: يرصد الصيد، وتقول: هذه مراصد ترصد بها النجوم مثلاً، والأفلاك، ونحو ذلك، وابن جرير - رحمه الله - يقول: يرصدهم بأعمالهم في الدنيا، وكذلك في الآخرة على قناطر جهنم؛ ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة، فجعله ابن جرير في الدنيا، والآخرة.
الله - تبارك وتعالى - يحصي عليهم أعمالهم، وهو - تبارك وتعالى - قادر عليهم، ويأخذهم متى شاء، ويعاقبهم كيف شاء.
وبعضهم كابن الأنباري يقول: إن قوله هذا: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ هو جواب القسم: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ والجواب: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ، وذكرنا أن بعض أهل العلم يقول: محذوف تقديره: ليجازنّ، أو لتجازنّ، أو نحو ذلك، وبعضهم كأبي حيان صاحب البحر قدّره بما تدل عليه خاتمة السورة التي قبلها، أي: ربطه بالسورة التي قبلها: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26]، أي: إياب، ورجوع هؤلاء إلينا، وحسابهم علينا، وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، يعني: أن حسابهم علينا، وإيابهم إلينا، وهذا بعيد، وإذا قلنا: إن ترتيب السور غير توقيفي، وإنما شيء رآه الصحابة، واستأنسوا بما عهدوا من قراءة النبي ﷺ فإن هذا يزيده بعداً.
وأما قول من قال: إن جواب القسم قوله: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ فهذا أبعد ما يكون، يعني: يقولون: إن هل هذه بمعنى: قد، أي: "قد في ذلك"، وهذا بعيد، والعلم عند الله .