هذا التفسير على اعتبار الحديث السابق من أن الوتر هو: يوم عرفة، وأن الشفع هو: يوم النحر، ولكن الحديث ضعيف؛ فبسبب ذلك اختلفت أقوال أهل العلم في المراد بالشفع، والوتر، والظاهر - والله تعالى أعلم -: أنه مطلق في كل شفع وفي كل وتر، وذلك لأن الله - تبارك وتعالى - أطلق ذلك، كما سبق في الفجر، فلم يخص شيئًا بعينه مما يصدق عليه أنه شفع، أو يصدق عليه أنه وتر، فيعم ذلك كل شفع، ووتر، فيدخل في ذلك أقوال السلف التي قالوها في الشفع، والوتر، فإن ذلك يصدق عليه، ويتناوله كما يتناول غيره مما يحتمله المعنى -والله تعالى أعلم- فهذا يعم كل الأشياء شفعها ووترها، وهذا الذي اختاره كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير -رحمه الله-، وبعضهم يقول: شفع الليالي ووترها، وهذا مما يدخل في المعنى كما سبق، وهكذا ما جاء عن قتادة: شفع الصلاة، ووترها، فهذا كله مما يصلح أن يكون من قبيل التفسير بالمثال، فالصلاة منها شفع ومنها وتر، سواء كان ذلك في الفريضة، كالمغرب فهي: وتر، والصلوات الأخرى هي: شفع، وكذلك في غير الفريضة، وبعضهم يقول: الشفع هم الخلق، والوتر هو الله - تبارك وتعالى -، فهو أحد فرد صمد، وهذا قال به طائفة من السلف، كمحمد بن سيرين، ومسروق، وأبي صالح، وقتادة، وبعضهم يقول غير ذلك، كقول من قال: الشفع هي: عشر ذي الحجة، والوتر هي: أيام منى الثلاثة، فالعشر شفع، والثلاثة وتر، وبعضهم يقول: الشفع هو: اليومان من الثلاثة، أي: من أيام منى، والوتر هو: اليوم الثالث، وكل هذا مما يمكن أن يكون من قبيل التفسير بالمثال.
وقوله - تبارك وتعالى -: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ هكذا بفتح الواو، هذه قراءة الجمهور، وهي: لغة لقريش، وأهل الحجاز، تقول: نصلي الوَتر، بفتح الواو، وتقول: هذا عدد، وَتر، وهذا عدد شفع، وهؤلاء وَتر، وهؤلاء شفع، يعني: لا يختص بالآية، فهي لغة بالفتح.
والقراءة الأخرى، وهي أيضا: لغة، لكنها ليست لقريش، وإنما لتميم، وهي: بكسر الواو: وَالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ، فهي: قراءة متواترة لحمزة والكسائي، فمن قرأ بهذا أو بهذا فالأمر واسع، أي: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ أو وَالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ، فهاتان لغتان، وقراءتان متواترتان.
- إشارة إلى الحديث المتقدم - في الدرس السابق - الذي رواه الإمام أحمد في المسند برقم (14511): عن جابر ، عن النبي ﷺ قال: إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر، وقال عقبه الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ورواه النسائي، وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة"، وقال محققو المسند: "هذا إسناد لا بأس برجاله، وأبو الزبير لم يصرح بسماعه من جابر"، والنسائي في الكبرى، كتاب التفسير، باب سورة الفجر، رقم: (11607)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (8/ 408)، رقم: (3938)، وقال: "منكر، وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إلا أنه معلول بعنعنة أبي الزبير؛ فإنه مدلس".