هؤلاء ثمود نسبوا إلى جدهم: ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، يعني: العهد قريب بعاد، ومع ذلك انظر إلى ردهم، وجوابهم لنبيهم، وإلى تكذيبهم له، وإلى إصرارهم على الكفر، فهذا من أعجب الأشياء: أن هذه العقوبات التي أنزلها الله بهؤلاء المكذبين لم ينتفع بها أولئك الذين جاءوا بعدهم، فوقعوا في نفس التكذيب، فأنزل الله بهم عذابه المستأصل - والله المستعان -.
فقوله: وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، الوادي معروف، وهو: وادي القرى الذي فيه حجر ثمود، ولا زال معروفًا، وقائمًا إلى اليوم.
قوله: جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، ذكر هذه المزية التي عرفوا بها، وهي تدل على بأس، وشدة، وقوة، ومعنى: جَابُوا الصَّخْرَ يعني: خرقوه، ومن عبارات السلف: قطعوه، ولا إشكال في هذا، فهؤلاء كما هو معلوم يخرقون صخور الجبل، وينحتون كما قال الله وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [الشعراء:149]، فيخرقونها، ويتخذون البيوت في داخلها، فهذا يدل على أنهم عندهم من القوة، والإمكانات الشيء الكثير، والجَوْب بمعنى: الخرق، تقول: جاب الفيافي وجاب الفلاة، وجاب الأرض يعني: قطعها، أو خرقها، ويجوب البلاد يعني: يقطعها طولاً، وعرضًا، وإن شئت قل: خرقها؛ ولهذا يقال: المخترَق ذلك الموضع الذي يُجاب، والذي يُقطع، ويخترق، ومن ذلك قيل للجيب جيب، وهو: الفتحة التي في أعلى الثوب، يدخل منها الرأس، ومنه الحديث في الفقراء الذين جاءوا إلى المدينة، ومن صفتهم أنهم مجتابو النمار[1]، جمع نمرة، يعني: ما عندهم شيء يلبسونه سوى نمرة ليست مفصلة، وإنما يخرقون خرقًا في وسطها، فيدخلون منه الرأس، فهذا غاية ما عندهم من اللباس، مجتابو النمار، أي: خرقوها، وأدخلوا رءوسهم، فكأنها ثوب، فهنا قوله: جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ يعني: خرقوه، وهكذا الأقوال، والآثار التي نقلها عن ابن عباس، وغيره: ينحتونها، ويخرقونها، وهكذا قال السلف، وهذا الذي مشى عليه ابن جرير - رحمه الله -.
- أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، رقم: (1017).