الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
لَا يَزَالُ بُنْيَٰنُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْا۟ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۝ لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة:109-110].
يقول تعالى: لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان، ومن بنى مسجداً ضراراً، وكفراً، وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، فإنما يبنى هؤلاء بنيانهم عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ أي: طرف حُفيرة مُثالة فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي: لا يصلح عمل المفسدين.
قال جابر بن عبد الله - ا -: رأيت المسجد الذي بُني ضراراً يخرج منه الدخان على عهد رسول الله ﷺ.
وقوله: لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ أي: شكًّا، ونفاقاً بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع، أورثهم نفاقاً في قلوبهم كما أُشرب عابدو العجل حبَّه.
وقوله: إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي: بموتهم، قاله ابن عباس - ا -، ومجاهد، وقتادة، وزيد بن أسلم، والسدي، وحبيب بن أبي ثابت، والضحاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد من علماء السلف.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي: بأعمال خلقه، حَكِيمٌ في مجازاتهم عنها من خير وشر".


فقوله - تبارك وتعالى -: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يقول الحافظ - رحمه الله -: فإنما يبنى هؤلاء بنيانهم عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ قال: أي طرف حُفيرة، عَلَى شَفَا جُرُفٍ الشفا يعني الشفير، عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ أي شفير جُرُف، والجُرُف ما يتجرف بالسيول، وفسره بعضهم بالذي يذهب أصله ويبقى كأنه معلق، فهو يسقط بأدنى ملابسة، فهو سريع السقوط، وجُرُفٍ هَارٍ أي ساقط، فهؤلاء بنوا على غير أساس من تقوى الله ، وإرادة ما عنده، فكان بنيانهم بهذه الهشاشة، والضعف المتناهي؛ كالذي أسس بنيانه على هذا المكان الذي لا ثبات له بحال من الأحوال، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أي وقع وسقط به في نار جهنم، وقال هنا: لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معناه هو من أحسن ما قيل في تفسيره، يعني أن هذا الصنيع تسبب عن نفاق دائم، وشك يصاحبه قلق في نفوس هؤلاء يلازمهم إلى الوفاة، والجزاء من جنس العمل كما قال الله : فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ [سورة التوبة:77]، فالله يجازي عباده على أعمالهم السيئة تارة بالطبع على القلب، وتارة بالنفاق الدائم حتى يموت الإنسان عليه، إلى غير ذلك من ألوان العقوبات فقوله: إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ يعني بموتهم؛ هذا هو الأقرب، ومنهم من قال: إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ يعني بالندم؛ وهذا فيه بُعد، والأقرب ما ذكره الحافظ - رحمه الله - هنا إِلا أَنْ تَقَطَّعَ يعني إلا أن يموتوا بمعنى أن هذا النفاق مستمر إلى الموت لا يفارقهم، ولا يزول عنهم.