يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم، وأموالهم؛ إذ بذلوها في سبيله بالجنة".
يعني هذا معنى الشراء أنه معاوضة، وسبق الكلام على قوله: اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ [سورة البقرة:175]، اشتروا الكفر بالإيمان، وأصل الشراء هو إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر، ويعبر عنه بعبارات أخرى مقاربة، وقد سبق الكلام على هذا في أول الكلام على البيوع من العمدة، فالشاهد: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فالنفوس، والأموال مبيع، والثمن هو الجنة.
وقال شَمِر بن عطية: "ما من مسلم إلا ولله في عُنُقه بيعة، وفَّى بها، أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية".
ولهذا يقال: "من حمل في سبيل الله بايع الله" أي: قَبِل هذا العقد، ووفى به.
وقوله: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ أي: سواء قَتلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة".
وفي القراءة الأخرى قراءة حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول فيُقتَلونَ ويَقتُلون وهذا مما يحتمله الرسم العثماني، وهو وجه من أوجه التغاير في الأحرف السبعة بالتقديم، والتأخير.
وقوله: وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ تأكيد لهذا الوعد، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار وهي التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على محمد - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.
وقوله: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ أي: ولا واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من الله فإنه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا [سورة النساء:87]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [سورة النساء:122]؛ ولهذا قال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد؛ بالفوز العظيم، والنعيم المقيم.