الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
وَإِن نَّكَثُوٓا۟ أَيْمَٰنَهُم مِّنۢ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا۟ فِى دِينِكُمْ فَقَٰتِلُوٓا۟ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَآ أَيْمَٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [سورة التوبة:12].
يقول تعالى: وإن نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة أيمانهم أي: عهودهم، ومواثيقهم، وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ أي: عابوه وانتقصوه، ومن هاهنا أُخذ قتل من سب الرسول - صلوات الله وسلامه عليه -، أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بتنقص؛ ولهذا قال: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي: يرجعون عما هم فيه من الكفر، والعناد، والضلال.
وقد قال قتادة وغيره: أئمة الكفر كأبي جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف، وعدد رجالاً.
وقال الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة أنه قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد.
وروى عن علي بن أبي طالب مثله.
والصحيح أن الآية عامة، وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة لهم، ولغيرهم - والله أعلم -.
وقال الوليد بن مسلم: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير: أنه كان في عهد أبي بكر إلى الناس حين وجههم إلى الشام، قال: إنكم ستجدون قوماً محوقة رؤوسهم، فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف، فوالله لأن أقتل رجلاً منهم أحب إليّ من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن الله يقول: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ رواه ابن أبي حاتم".


المحوقة يعني المحلوقة من الوسط يحلقونه، ويتركون الباقي، الهَبَل قديم!! وليس هذا في هذا الوقت فقط، فهنا يقول: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ذكر قضيتين: نكث العهد، والطعن في الدين وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ، هل المقاتلة فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ هنا يقال: إنها مرتبة على شرطين لا تحصل إلا باستجماعهما بمعنى لو طعنوا في الدين، وما نكثوا العهد - هكذا افتراضنا - لا نقاتلهم؟ أو نقضوا العهد وما طعنوا في الدين؟ هكذا فهم أبو حنيفة - رحمه الله -، قال: لو أنهم طعنوا في الدين، وما نكثوا العهد؛ فإن ذلك لا يوجب أن نقاتلهم؛ لأن الله ذكر أمرين إن فعلوا كذا وكذا فقاتلوا، وليس ذلك معنى الآية أبداً، قطعا ليس هذا معنى الآية والعلم عند الله ؛ ولهذا قال الجمهور منهم مالك والشافعي قالوا: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ إن نكث العهد يكفي لمقاتلتهم كما فعل النبي ﷺ مع قريش حينما أعانوا حلفاءهم على حلفاء رسول الله ﷺ، ولا يشترط أنهم يطعنون في الدين، وإذا طعنوا في الدين يكون عهدهم قد انتقض، وقد يجمعون بين الأمرين، وقد يوجد واحد منهم، فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فنقض العهد منهم يقع بصور شتى منها: الطعن في الدين، وسب الرسول ﷺ، وقريظة نقضوا العهد، ودخلوا مع الأحزاب، وطعنوا في الدين، وسبوا النبي ﷺ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فالذمي إذا طعن في الدين فإنه يقتل، ومن سب الرسول ﷺ يقتل، يكون قد انتقض عهده هكذا فهم الجمهور، وهنا قال: ومن هنا أُخذ قتل من سب النبي ﷺ باعتبار أنه يكون قد نقض العهد مع أن الآية في المقاتلة، وفرق بين المقاتلة والقتل، ولهذا يقول الله : قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ [سورة التوبة:29] إلى آخره، ويقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله[1]، والفقهاء يقولون مثلاً: إن الطائفة التي تنتسب للإسلام إذا امتنعت عن شيء من شرائع الدين فإنها تقاتل، وكذلك في قوله: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [سورة الحجرات:9]، قاتلوا، ما قال فاقتلوا التي تبغي! فالمقاتلة غير القتل، فهنا قال: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ يقاتلون، وإن كان الذي فعل ذلك من أهل الذمة فمثل هذا يكون نقضاً للعهد، وإذا نقض العهد استحق القتل، وهنا قال: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ هنا ذكر بعضهم كقتادة: أن أئمة الكفر كأبي جهل، وعقبة، وشيبة، وأمية بن خلف إلى آخره، وهذه الآية نزلت متأخرة يعني كما عرفنا بعد فتح مكة نزلت سورة براءة، وأئمة الكفر هؤلاء الذين سماهم قتادة قد ذهبوا، وولوا، قتل أكثرهم في غزوة بدر، فقاتلوا أئمة الكفر وهم لا شك أنهم أئمة الكفر، لكن هل هم من أراد الله بهذه الآية: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إن نكثوا عهدهم؟، أئمة الكفر: الإمام هو المقدم في الناس الذي يتبعه غيره، أو يقتدي به غيره، فهؤلاء الذين يعقدون العهود، وينوبون عن قومهم في المعاهدات وما أشبه هذا، ويقودون الجيوش؛ هؤلاء كلهم أئمة لقومهم، فإذا نكثوا العهد قوتلوا، وليس هؤلاء الذين يقاتَلون فقط، بل يقاتَلون ومَن وراءهم: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فالآية عامة، فيدخل فيها أئمة الكفر من المشركين، ويدخل فيها أيضا أئمة الكفر من سائر الطوائف، وذكر أئمة الكفر؛ لأن كسرهم يكون سبيلاً لظهور الإسلام، وبلوغ كلمة الحق للعالمين، لأن هؤلاء هم الذين يقفون دون ذلك.

  1. رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [سورة التوبة:5]، برقم (25)، ومسلم، كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة...، برقم (20).