الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوٓا۟ أَيْمَٰنَهُمْ وَهَمُّوا۟ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ۝ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة:13-15].
وهذا أيضا تهييج، وتحضيض، وإغراء على قتال المشركين الناكثين لأيمانهم، الذين هموا بإخراج الرسول  - صلوات الله وسلامه عليه - من مكة".


أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا هذا الاستفهام استفهام توبيخي، وهو يتضمن التحضيض، والتحريض.

"كما قال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [سورة الأنفال:30]، وقال تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الآية [سورة الممتحنة:1]، وقال تعالى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا [سورة الإسراء:76]، وقوله: وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قيل: المراد بذلك يوم بدر، حين خرجوا لنصر عيرهم؛ فلما نجت، وعلموا بذلك؛ استمروا على وجوههم طلباً للقتال بغياً وتكبراً كما تقدم بسط ذلك.
وقيل: المراد نقضهم العهد، وقتالهم مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلاف رسول الله ﷺ، حتى سار إليهم رسول الله ﷺ عام الفتح، وكان ما كان، ولله الحمد".


يعني المراد بالبدء أول مرة هل المقصود به يوم بدر هم جاءوا وأرادوا القتال؟ أو في النقض هم الذين بدءوا بالنقض؟، وهذه الآية: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ والذين هموا بإخراج الرسول ﷺ هم قريش، فهذه الآية إذا كانت نزلت متأخرة بعد فتح مكة فيبقى فيها إشكال وهو أن هؤلاء قد قاتلهم النبي ﷺ، وأصحابه، وفتح مكة، وأظهر الله رسوله ﷺ عليهم؛ فكيف جاء التحريض هنا أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ؟! قاتَلوهم وانتهوا، ولا يمكن أن يقال هنا: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ إن المراد به عموم الكفار؛ لأنه قال: نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ فالذين هموا بإخراج الرسول ﷺ هم كفار مكة، وهذا الهم معروف قبل الهجرة حينما تواطئوا، وتمالئوا، وآذوه؛ فتسببوا في إخراجه، همَّوا بإخراج الرسول مع أنهم في نهاية الأمر أرادوا ألا يخرج، ولكن تضييقهم عليه كان سبباً في إخراجه، وكانت إحدى الأفكار التي يتداولونها بينهم أن يخرجوا النبي ﷺ من بين أظهرهم، فيستريحوا منه، ثم بعد ذلك تراجعوا عن هذا، والله قال: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [سورة الممتحنة:1] وهم كانوا لا يريدونه أن يخرج، ولكن لما ضيقوا عليه كانوا متسببين في إخراجه، وإخراج المؤمنين، فنسب ذلك إليهم قال: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ، فمن أهل العلم من لاحظ هذا المعنى وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وهم كانوا لا يريدونه أن يخرج، كانوا يريدون قتله - عليه الصلاة والسلام -، فبعضهم قال: هذا كان حينما جاء النبي ﷺ ليعتمر بعد صلح الحديبية، وأن خزاعة امتنعت؛ ولم تواطئهم على هذا، وكان ذلك سبباً لحصول خلاف مقصودهم - والله تعالى أعلم -.

"وقوله: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول تعالى: لا تخشوهم واخشون، فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي، وعقوبتي".


هذا الاستفهام هنا أَتَخْشَوْنَهُمْ استفهام للتوبيخ، والتقريع.

"فبيدي الأمر، وما شئت كان، وما لم أشأ لم يكن".